lundi 9 janvier 2012

العَـــــــيِــــــــيُّ

هذه سلسلة من النّصوص أخصّصها لنجوم الفترة و أبطالها و لكم أن تتعرّفوا على كلّ شخص من خلال صفاته، و سأبدأ النصّ الأول بالعَــيِــيِّ

 العَــيِــيُّ

العَييُّ لغةً هو من لا يُحسن الكلام لا عن عيب خِلقيّ في النطق أو جهل باللغة أو ما شابه بل عن إخفاق تامّ بمعرفة مدى مطابقة المقال للمقام فيأتي كلامه مُهوِّمًا بعيدا عن صلب ما يتحادث فيه مجتمع النّاس و قد يجرّ عليه ويلات هو في غنـًى عنها. و العِـيُّ هِـنَة سلوكيّة كرهها العربُ قديما و تندّروا بأصحابها و ضربوا بهم الأمثال في الحمق و عدم تقدير الأمور حقّ قدرها فقالوا قديما " أعْـيَى من باقِـلٍ ". العرب الذين عُرفوا بين الأمم المجاورة و على مرّ قرون طويلة بالفصاحة و البلاغة و اللسان السّليق و الحكمة في القول، يصنّفون العييّ في زمرة الحمقى إن لم نقل الشواذ.
و طبيعيّ أن يكون لكلّ عصر باقِـلـُه و إن تغيّرت أشكال العِيّ و مضامين الكلام و خطورة تبعاته و موقف المجتمع منه. غاية ما في الأمر أنّ هناك فرقا بين عييّ من الرعيّة داخل في العامّة، هذا إن نطق يكاد عِيـُّـه لا يصيبه إلاّ وحده و قد يُلحِق أضرارا متفاوتة هيّنة بمن حوله من أهل و صَحْب كأن يمتدح مطربَه المفضّلَ و هو في مأتم أو أن ينبّه أحدَهم إلى حوادث الطريق بدل أن يهنّئه على سيّارته الجديدة، و بين عييّ بيده الحَلّ و العَقد، وهذا قد يُدخِل بحمقه البلادَ و العبادَ في مآزقَ لا حَدَّ لها و لا حصر و لا مَخرَجَ إلاّ بإقالته إذ لا أملَ يُرجَى في حكمة قوله و سديد رأيه و حُسن تقديره لملاءمة الخطاب للسّياق، كأن يقحم نفسه في شؤون بلد دفع ضريبة ثقيلة لسنوات عديدة جرّاء التطرّف الديني و يشير عليه بأن يشجّع صعود الأحزاب الدينيّة إلى سدّة الحكم. و سواءٌ عليه أنبَّهتَه أو لم تنبّهه فإنّه ماضٍ في خصلته غيرُ مقلع عنها إذ هي جِبِـلّة فيه لا قدرة له عليها. أمّا إذا كان من أهل الحكم و يُخشى أن يتسبّب عِيُّـه في مشاكل جديّة فقد يتّخذ له مستشارا أو ناطقا باسمه يكون وسيطا بينه و بين من يروم مخاطبتهم، و حتّى في هذه الحال فهو لا يمتنع تمام الامتناع عن إفساد الأمور أحيانا كثيرة إذ أنّ العَييَّ غالبا ما يكون أرعن يسارع بالقول دون أن يتشوّف إلى ما قد يجُرُّ كلامه من مصائب.
و صفوة القول إنّ العِـيَّ آفــة لا علاج لها و على المصاب بها أن يسكت درءًا للمزالق و قديما قالت العربُ " لتقلْ خيرا أو لتصمت." أمّا إذا جمع أحدهم بين الحُكم و العِـيِّ فالحلُّ عسير إذ لم يرَ النّاسُ من قبل حاكما أبكمَ، لذا عليه أن يفسح المجال لمن يُحكِم الكلام و يُحسن التقدير.