lundi 10 février 2020

تدوينة في الوقت بدل الضائع


" لا أريد آلة طبخ يفوح منها الثوم و البصل، و لا موطئ سرير، كيسا ملقى يطلب الفعل و لا تفاعل." قال. " ابحث عن امرأة إنسان، تعشق و تناور، تهيم و تصد، تغني و ترقص، تبكي من النشوة و تضحك في وجه المصائب، تشك و تثور، تقرا و تكتب و تصارع شخوصها، تنخرط في نقاشات لا حد لها و لا حصر، عنيدة عتية شبقة جميلة الروح حكيمة الفكر ثرثارة الجسد، مزاجية ، زئبقية، حذرة كالسمكة... أريدها لي..، لي وحدي."
ردت عليه في حيرة " و انا... من لي ؟ أين مني رجل لم تستكشف أدغاله غيري، لم تفزع لصهيل خيله سواي، لم يرتو من نبعه ثغر آخر... رجل جزيرة ترسو عليها سفينتي التائهة بعد سفر طويل. أنا امرأة تبحث عن غير المستهلك و منتهي الصلاحية، عن رجل لا خليلة له و لا حليلة و لا سريرة، وحدي مبتدؤه و خبره، فعله و مفعوله، و صلة موصوله، ذراعان يكسران عنجهيتي، عينان تضيع فيهما كل ثقة و تندحر قوتي فأسلم سلاحي و أغدو أنثى."
ظلا صامتين، الظهر مسند إلى الظهر و العقل شارد.
هتف صوت لم يعرفا له مصدرا : " في البدء كان الحب : فكرة فكلمة ثم فعلا، فكنتم. لكن البشر اهانوه و شوهوه و باعوه بثمن بخس في سوق النخاسة، و قايضوه بالمال و الجسد و المتاع وكل مادة، بل حشروه في زنزانة الزواج و سجلوه في دفاتر الملكية، ففقدوه. و قصرت عقولهم عن إدراكه فنظموا فيه الشعر و تغنوا به أملا و حسرة دون طائل. 
كذا فعلوا بكل فكرة مجردة. عشقوا  الحرية ، هاموا بها و لجوا في طلابها و انتفضوا لأجلها و أبدعوا فيها الرسوم و نحتوا لها التماثيل و ظلوا يرمقونها من الخارج ، و لم يعيشوها، بل حاربوا  كل فكر و جنس و لون و دين و فعل حر. و كذلك فعلوا بالجمال.
وحدهم القصر يحتاجون إلى مقاييس لإدراك المجرد، و حين تعييهم المعايير يعلقون عجزهم على شماعة الممنوع و المحرم، اصطنعوا للحق و العدل صروحا شامخة و أنفقوا فيها الوقت و الجهد و المال، أعمدة رخامية عالية و قاعات فسيحة، رنانة كانت المرافعات، بكل اللغات، طويلة طرابيش القضاة، كثيرة هي الملفات، و العدل مداس.
و كبرى خيباتهم كانت فكرة الإله، كل فريق يدعيه لنفسه و تناحروا من اجل الانتماء إليه دون غيرهم. يقولون إنه القوي العلي  الواجد لكل موجود لكنهم اتخذوا له بيوتا و معابد و كنائس و سربلوها بالزيف و الخرافة و جعلوا دخولها بمقابل و أقصوا عنها من خالفهم. من قال إن القدير بحاجة إلى من يدافع عنه ؟ بل كيف يكون محتاجا إلى بيت و هو الذات السرمد المنزهة عن كل أشكال المادة ؟ اليوم صار مشروعا مربحا، يسرقون و ينهبون و يغتصبون و يذبحون و يقتلون و يحرقون باسمه ثم يتوجهون إليه " سبحانك ماكنا لنعلم لولا أن علمتنا هذا."
الله فيكم و ليس بين الجدران، و الحق و العدل و الجمال و الحرية فيكم، و الحب فيكم... مجردات تتماهى بين الأثير و بين قلوبكم و عقولكم، كنثار الزهور تذروها النسائم للقاح. فكفوا عن الضجيج و حدقوا في أنفسكم. "
انتبه الحبيبان ان الصوت كان يأتي من داخلهما، تعانقا عناقا مداه الزمن.

Aucun commentaire: