mardi 15 février 2011

نريدّ ثـقـــة

تغلب على المرحلة الراهنة حربُ معلومات في اعتقادي لأسباب ثلاثة يبدو أحدُها أو جميعُها مباشِرَ التأثير ، فإمّا لهشاشة إعلامنا  و قلّة حرفيّته ممّا يجعله يستقي الخبر من غير مصدره فيتردّى عمله في التخمين و الانطباعيّة و ما ينجرّ عن ذلك من تصحيح   و اعتذار الأمر الذي يُطيح بمصداقيّة أيّ جهاز إعلامي ، و إمّا لتورّط إعلامنا الذي و إن غيّر اللون فقد تابع التلوّن و لم يغيّر الولاء ، و إمّا لأنّ شعبنا كسائر شعوب الضفّة الجنوبيّة للمتوسّط يتعاطى الإشاعة كما النومَ الغذاء
يعيش المواطن التونسي مؤخّرا على وقع الخبر و الخبر المضادّ البلاغ المزيّف و البلاغ المكذِّب ، الحدث المنسوب لطرفٍ و هو من صنع طرف آخر ، التضارب الصّارخ بين التصريح و الممارسة ... ثمّ ماذا بعد ؟ ظرفٌ من الضبابيّة غير مسبوق و حالة من التوقّع و التوجّس يأتي خلالها البعضُ أفعالا خاطفة مُعلَنَة مكشوفة النوايا سواء كانت من قِبَل بقايا الحزب الحاكم سابقا أو من بعض الأقليّات الإسلاميّة أو من أحزاب المعارضة . و لو أنّ مصطلح معارضة بات مؤخّرا لا يعني الكثير فحزبٌ يقبل حقيبة وزاريّة في حكومة تصريف الأعمال لستُ أدري صراحة مَنْ يعارِضُ بعدُ
فكرة أخيرة أختم بها و أمضي ، في خضمّ الفوضى و أيّام الرّعب وقلّة الثقة في أعوان الدولة التي شهدتها البلاد منذ اندلاع الثورة، تعلّقت أنظار الملايين و قلوبهم بشخص السيّد وزير الداخليّة و من قبله بشخص الفريق رشيد عمّارمع احترامي الشديد للرّجليْن، لا لوْمَ ، فقد كان هذا ضروريّا في مرحلة حكمها الخوفُ في شعب لم يتعوّد نقصا في " بيضة البريكة " فما بالك بصوت الرصاص الحيّ و رائحة الغاز و مشهد الدماء و أخبار مروّعة عن قنّاصين و مليشيات محترفة .. و لكن ، ألسنا هكذا نعود إلى ثقافة الرّجل الواحد المنقذ المُخلِّص ؟ أليس هذا ما أهلكنا و أردانا في العهد السابق ؟ أليس هذا ما برّر به بن علي في إحدى خطبه الأخيرة البائسة حين قال  :" لستُ شمسا لأشرق على الجميع."  فهل من المفروض أن يكون المسؤول الأعلى على رأس كلّ وزارة هو الضامن المُصلِح و النّزيه الوحيد ، الأكفأ و الأكثر إخلاصا ؟ أين مصالح وزارته و مديروه المركزيّون و الفرعيّون و الجهويّون   و موظّفوه و إدارات التصوّر و التنفيذ و المتابعة و المحاسبة ؟ إن كان سيتصرّف في شؤون الدولة بضعة أشخاص في كلّ وزارة يُعَدّون على أصابع اليد الواحدة ، إذن فما جدوى ميزانيّات الوزارات و المرتّبات و الحوافز و السيّارات الإداريّة              و التسهيلات و العُطَل مدفوعة الأجر و التأمين على المرض      و الأسفار في مهمّات على حساب المال العامّ ؟
        
   ستُقدِم البلاد بعد أشهر قليلة على منعرج حاسم في تاريخها الحديث فإمّا انتخابات حقيقيّة و إمّا مسرحيّة ممجوجة كسابقاتها 

dimanche 13 février 2011

أما آن لمولود الثورة أن يغادر الحاضِنة ؟

من الطبيعي أن يسيل حبر كثير حول ثورة الكرامة في تونس فما حدث لا يحدث كلّ يوم ، بل لعلّنا مقصِّرون فيما كتبنا أو لعلّ الثورة باغتتنا فاندلعت خاطفة مفاجئة و لم تنتظر تأطيرا و لا تنظيرا و لا حتّى توقّعا أو تبشيرا. جميلٌ أن نكتب عن الثورة أسبابا و ملابسات و مظاهر و أهدافا و نتائج ، و ضروريّ أن نكتب عنها و لها ، للذاكرة و للأجيال و التاريخ. و لكن .. ماذا نكتب ؟ إن كنّا سنكتب بعدُ تمجيدا ، فرُتبتها بين ثورات العرب في عصرهم الحديث تكفيها تألّقا و إبداعا ، و صغر البلد و قلّة عدد هذا الشعب المحكوم بنظام بوليسيّ عتيّ هو ما أحدث المفارقة

نعم حدثت ثورة في تونس بكلّ مقاييس الثورات و لكن عبثا نقارنها بأخرى تاريخيّا و لا جغرافيّا . و لا أكتم أنّي شعرتُ بشيء من الغيرة و الإحباط و أنا أشاهد الثوّار المصريين يطيحون برئيسهم و نائبه و يتمّ حلّ مجلسي الشعب و الشورى و البدء في التخلّي عن الدستور في يوم واحد - هي غيرة على بلدي و ليست حسدا لشعب صديق عانى ما عانيناه - غير أنّي حين رأيت الجيش يتسلّم السلطة في مصر، فضّلتُ فوضانا و ما نحن فيه من ضبابيّة الرّؤية ، و ما الثورة إن لم تكن قطعا مع كلّ ما قبلها من نظام     و ترتيب و سطور خطّها العجائز و فرضوها فرضا على الشباب

صحيح أنّ في التاريخ ثورات كانت ممنهجة مسبَقة الإعداد التفّت حول إيديولوجيا معيّنة أو شخصيّة عامّة ذات كاريزما عالية وجّهت تحرّكات الشارع و و سيطرت على وسائل الإعلام و موارد الدولة ... بل إنّ بعض الثورات استبدّت و نكّلت بمعارضيها في داخلها .. و الأمثلة عديدة ، و لكلّ شعب خصوصيّاته و لكلّ بلد ملابساته فالمقارنة ضرب من العبث

اليوم مرّ شهرٌ على فرار الرّئيس السابق و لا أقول على سقوط النّظام. مساء 14 جانفي 2011 كان رهيبا سكتت فيه عصافير باب البحر و نابت عنها حناجر هادرة هتفت بالحريّة و الكرامة         و سقوط الطغيان في كلّ شبر من تراب الوطن، فهل حقّقنا كلّ ما هتفنا به ؟ تعالت أصواتٌ بعضُها منّا تطالبُ بترك المؤقّتين يعملون و مساعدتهم بالتفهّم ، و امتثلنا . من حقّنا بعد شهر أن نطرح عديد التساؤلات : هل نجحت ثورتنا كما أردناها ؟
هل يكفي هروب رئيس و مصادرة بعض الأملاك و تغيير وزير بآخر كي نقول إنّ الثورة بلغت أهدافها ؟
لماذا نسمع اليوم أصواتا كانت غائبة في الثورة ؟
لماذا إلى اليوم لم يجرؤ أحدٌ من هؤلاء أن يتبنّى الثورة علنا ؟ بل إذا أعيته أساليب المراوغة نسبها إلى الشباب و كلّنا يعلم أنّها لم تكن ثورة شباب فقط فالشعب هبّ بكلّ فئاته العمريّة شيبا و شبابا ، رجالا و نساء ، موظّفين و عمّالا و طلبة و عاطلين
لماذا لا يواكب إعلامُنا خطى الثورة و يكتفي بتحريك البعض ضدّ الآخر في اتّجاه مكشوف؟
لماذا تكتَم الأصواتُ إذا بدأ الحديث عن مجلس تأسيسي أو مجلس قيادة الثورة أو حمايتها .. سمِّه ما شئت ، و هل مثل هذا المجلس قادر على استيعاب ائتلاف  لكلّ الأطياف السياسيّة دون أن يراود أحدَها حلمُ الوصاية على الثورة ؟
لماذا يُعتبَر الحديث عن محكمة دستوريّة من قبيل المسكوت عنه ؟
ماذا يجري في أروقة الوزارات و المؤسّسات و في إدارات أرشيفها ؟
صحيح أنّنا شعب متعطّش للتعبير السياسي و لكن قرابة العشرين حزبا دون احتساب القائمات المستقلّة و العدد قابل للارتفاع إلى حين تحديد موعد الانتخابات ، أمرٌ فيه ما فيه
...
و تساؤلات أخرى كثيرة .. و لكن ، هل الظرف ظرف كتابة أم فعل ميداني ؟ أم أنّ أحدهما لا يُلغي الآخر ؟
المرحلة حاسمة و كلّ لحظة ذهول تمرّ بنا تقرّبنا من الجمود فلنفكّر و لنكتب و لنلتقي و نتحاور سواء اتّفقنا أو اختلفنا المهمّ أن نتفاعل و نتلاقح ، من أجل تونس و أجيالها القادمة ، من أجل ألاّ يأتي مولود الثورة مشوّها معيبا منقوصا

mercredi 2 février 2011

ربيع في الشتاء

منذ ما يزيد عن السنة كنّا و بعض الأصدقاء منشغلين بمصير أمّة العرب - تاريخا و حضارة و لغة و أرضا و هويّة و ثقافة - تجاه كلّ المتغيّرات العالميّة ، و كان قلقنا شديدا إزاء قدرتها على الوقوف في وجه التيّار و التنفس في مناخ النظام العالمي الجديد . كان البعض يتنبّأ بانقراضها و يتمسّك البعض الآخر بأمجاد الجدود و يرتئي شقٌّ ثالث ضرورة انخراطها في المنظومات الجديدة ضمانا لاستمرارها و إن بوجه مختلف ، و لا يُخفي فريق رابع قلقه من احتمال تردّيها في الرجعيّة ... ثمّ تنهض من رماد القمع بلادٌ مشرئبّة بقامتها إلى المتوسّط صغيرة مساحتها فتلوّن شتاءَ 2011 بلون الثورة و تسحب رداءَها القاني على بلدان المنطقة فتهبّ شعوب لتعانق الحريّة و تميد الأنظمة الكرتونيّة تحت أحذية الشباب . و إذا بمصطلحات الخوف و الرّضى و الغباء و الميوعة .. تؤوب إلى قواميسها و تندثر من الشارع العربي . إنّه شتاء الثورات بلا منازع ، و إنّها أمم تتجدّد و تستعيد ربيعها في عزّ الشتاء فلا تخذلوها يا زهور ربيعها