lundi 18 juin 2012

مـيــزيــريـا 10 سلفي في التـسـلّـل


سَـــلفي في التســلـّل

مجرّد ما سار بضع خطوات في الطريق العامّ، فاجأته إعلاناتٌ على أبواب المؤسّسات "وظائف شاغرة للسلفيين فقط" – و هو الذي قرصه الفقرُ و البطالة فجماعته لم تَـفِ بما وعدَتْ و زاد تنكّرُها له بعد دخوله السجن- استشعر نشاطا، بسمل و ابتهل و مسح بيده على لحيته، نفض جلبابه و سوَّى قلنسوّته الأفغانيّة و دخل مبنى مؤسّسة و كلّه ثقة. ألقى السّلام على عون الاستقبال و أشار إلى الإعلان، وقبل أن يُنزل يده ناوله العونُ ورقة بيضاء و قال " أكتب طلبا و قدّمه إلى مكتب الضبط." رمقه موظفُ الضبط، أطرق في قراءة طلبه ثمّ صوّب فيه و صعّد وقال " ألم تقرأ الإعلان؟" أجاب في ثقة و زهو "بلى، و لذلك جئت" ردّ الموظف " آسف يا بنيّ يبدو أنّك قرأت و لم تفهم، أو أنّك حديث وصول للبلاد. فالسّلفُ الصّالح عندنا من إذا تقدّم إلى وظيفة حضر بذقن حليق و عطر جذاب و بدلة محترمة و حذاء لا تظهر منه أصابعُ  قدميه، و من إذا حيّى قال "صباحكم سعيد، طاب مساؤكم، أسعِدتْ أوقاتكم..." و من إذا كتب طلبا بدأه باسم تونس و ختمه بعبارات الاحترام. و نحن على خطى سلفنا التونسيّ الكريم سائرون، لذلك نأسف لعدم تلبية طلبك."
غادر المبنى مذهولا تقوده قدماه دون إذن، داعبت أنفه رائحة منعشة قويّة، رفع رأسه فقرأ "مقهى السّلفيّة" فدخل و جلس و نادى " ياغلام، هات كوب زنجبيل" انتصب أمامه النّادلُ  و قال في اشمئزاز " ماذا قلت؟ زنجبيل؟ أعوذ بالشعب ممّا طلبت، هنا نبيع كما كان سلفنا الصالح يفعل، قهوة، شاي، عصير فاكهة، شراب شعير... ثمّ إنّي لست غلاما، فالسلفيّون من أبناء بلدي إذا دخلوا مقهى هتفوا " يا معلّم، يا شباب، خويا..." من أجل كلّ هذا لن أقدّم لك شيئا أيّها المارق عن منهج سلفنا." التفت لمن حوله فإذا أعين الاستنكار ترمقه ففضّل المغادرة.
تلقّفه الطريق من جديد، حائرا هائما غريبا، فجأة خطر له أن يقصد المسجد الذي كانت جماعته تؤمّه، هناك سيجد أشباهه و ستنطفئ حرقة الغربة التي تتآكله. الآذان، نعم إنّه الآذان، أذناه لا تتوهّمان، مازال في هذا البلد آذان للصلاة، رفع رأسه فإذا بكلّ اللوحات الالكترونيّة في الشارع تومض بالإعلان "حان الآن موعد صلاة الظهر" ثمّ تعود إلى إعلانات متفرّقة و حركة المرور على دأبها و المحلاّت في نشاطها المعهود. هرول إلى المسجد فلم يعترضه المصلّون على قارعة الطريق يفترشون الورق المقوّى كعهده بهم، و لا أثر لمكبّرات الصوت و البيارق السوداء، همّ بالدّخول فاستوقفه أحدُ السلفيين " إلى أين أيّها التّيس؟" " إلى المسجد لأصلّي" قال. ردّ السلفيّ " أتدخل بيت الله بهذه الهيئة؟ ألا تستحي من لحيتك الكثيفة و شعرك الطويل و الثياب التي عليك؟ استحمّ أوّلا، فسلفنا الصالح برّد الله ثراهم كانوا لا يقصدون المسجد إلاّ و هم في أبهى حلّة، ناعمة وجوههم، مشرقٌ محيّاهم، مبتهجون مبتسمون للقاء الله و المؤمنين." خجل و تقهقر. أسند ظهره إلى جدار يفكّر، أخيرا توصّل إلى قراره بمغادرة البلاد. و لكن إلى أين؟ أيعود إلى فرنسا التي احتضنته أيّام شبابه أم يقصد بلدا مسلما يطيب فيه العيش؟
العراق، هو ذاك، إلى العراق حيث يجاهد الغربَ الكافرَ مع الإخوان و لا يشعر بغربة أو هوان. في سفارة العراق جلس إلى الموظف ليجيب على بعض الأسئلة قبل تزكية طلبه للحصول على تأشيرة. كان السؤال الأوّل: " هل تحفظ شيئا لفيلسوف الأمّة و المُصلِح الأعظم أبي نواس أو نغما لناظم الغزالي رضي الفنُّ عنه و أرضاه؟ "  فسقط مغشيّا عليه.