lundi 26 décembre 2011

إجازة مدفوعة الأجر لإدارة البرامج في التلفزة التونسيّة

استحوذ البثُّ المباشر لمداولات المجلس التأسيسي على نصيب الأسد من الزمن الإعلامي في القنوات  التلفزيّة التونسيّة خلال ساعات النّهار، بفترة صباحيّة و أخرى بعد الظّهر و أحيانا فترة ثالثة مسائيّة  في بداية السهرة. مع ضرورة التنويه بأنّه كان مطلبا شعبيّا عريضا باعتبار أنّ ما يحدث داخل المجلس من نقاشات و عرض لتقارير اللّجان الفرعيّة و تصويت على القرارات، للشعب حقّ الاطّلاع عليه في إبّانه، فقسمٌ كبير منه منح صوته لأعضاء يمثلونه و لولاه لما وصلوا إلى مقاعدهم تلك.
كلّ هذا جيّد و لكن تطفو على السّطح أسئلة عديدة من العبث تجاهلها. فما جدوى بثّ مداولات المجلس في كلتا القناتين الوطنيّتين الأولى و الثانية ؟ و هما توأمان تشتركان في نسبة كبيرة من البرامج عبر البثّ الموحَّد كالأخبار و النشرات الجويّة و مقابلات كرة القدم و بعض المسلسلات، بل أجدُني أتساءل أساسا عن جدوى قناة وطنيّة ثانية بميزانيّتها و أسطول موظّفيها إن لم تكن مختلفة عن القناة الأولى؟ أما كان من الأجدر إعادة النظر جذريّا في أدائها أو التخلّي عنها ربحا للمال العامّ خصوصا و نحن نسمع هذه الفترة عن الوضعيّة الصّعبة للاقتصاد التونسيّ ؟
من ناحية ثانية، ما مدى وجاهة البرامج المقدَّمة خارج فترات بثّ مداولات المجلس التأسيسي و خارج بثّ النشاط الرئاسي المقتصر إلى حدّ الآن على الخطابات الكثيرة و الأحاديث التلفزيّة و استقبال الشخصيّات و الهيئات؟ و هل هذه البرمجة في مستوى الحدث الأهمّ الذي يتابعه التونسيّون بكلّ اهتمام؟ بل هل هي في مستوى توقعات المُشاهد التونسي و تطلعاته بعد الثورة و خصوصا مع كلّ المخاض الذي تعيشه البلادُ في مناطق عدّة منها؟
أقول لكم ماذا يُـقدَّم: مسلسلات قديمة يُعادُ بثها لستُ أفهم لها طائلا أو مبرِّرا و لا أرى لها جمهورا متلهِّفا، برامجُ حواريّة يستميت أصحابُها في استضافة نفس الوجوه تقريبا حتّى صارت بعض الشخصيّات مع احترامي لها، مدعاة للسّخرية حين يتهكّم البعض قائلا: "هل صار فلان مقيما في مبنى التلفزة؟"، و لو فتحتُ باب النقد لاختيار مواضيع الملفـّات و مدى تزامنها و اتّساقها مع أحداث الشارع التونسي لأفردتُ له مقالا قائما بذاته. ثمّ إلى جانب هذين الطبقين، تبثّ القناة الوطنيّة الأولى أو الثانية – لا فرق- أحيانا بعض البرامج الوثائقيّة القديمة أيضا، الضاحكة على ذقن التونسي و السّاخرة من عقله، من قبيل "كيفيّة صيد الخنزير" أو " حياة الأخطبوط " أو " الهندسة المعماريّة في بيوت مدينة تونس" أو "جولة في الجامع الأعظم بالقيروان"... و القائمة تطول. و هذه أيضا لو تحدّثت عن مدى تنافرها مع ما يحدث في الحوض المنجميّ مثلا أو في كليّة الآداب أو في أيّ منطقة مُعدَمَة تعيش دون عتبة الفقر، و ما تقتضيه هذه الملفات السّاخنة من زيارات ميدانيّة و أشرطة وثائقيّة و شهادات حيّة و تحميل أصحاب القرار لمسؤوليّاتهم ... للزمني الأمرُ مقالا آخر أيضا.
لستُ أوجِّه حديثي للقنوات التلفزيّة الخاصّة، إذ ما من عَمَار بيني و بين أيّة مؤسَّسة كانت لا أعلم مصدرَ تمويلها، و التي تبثّ بين البرنامج و الآخر مجموعة من المُعدَمين – لعن الله الفقرَ- يلهجون بحمد صاحبها، مَشاهِدُ عاشت و عشّشت و فرّختْ بيننا منذ أكثر من خمسين سنة. و لكنّ خطابي مُوجَّه للتلفزة الوطنيّة المقتطِعة من ميزانيّة الدولة التي يدفع التونسيّون لها الأداءات و الضرائب و فواتير الكهرباء.
أين إدارة البرامج في مؤسّسة التلفزة التونسيّة ؟ هل دخلت في سباتها الشتويّ بفضل مداولات المجلس التأسيسي و خطابات رئيس الدولة الكثيرة و نشاطه الرئاسي الكثيف؟ كيف ستؤثـِّث ساعات البثّ بعد انتهاء تلك المداولات – إذ لا بدّ لها أن تنتهي على الأقلّ استجابة للقدَر- ؟ أين إدارة الإنتاج؟ و ماذا أعدّت للساعات المتبقية من اليوم؟ أم أنّ حظّ التونسي دائما طبقٌ باردٌ في وسائل إعلامه كما على طاولته؟
إن كانت لا هذه الإدارة و لا تلك بصدد العمل و الاجتهاد و الإنتاج و الحركة رغم الميزانيّة المرصودة لها و رواتب موظفيها و امتيازات مديريها، فهي إذن إجازة طويلة مدفوعة الأجر. لا عجب حينئذ أن يمرّ مستوى نموّنا الاقتصادي بصعوبات حرجة.

mardi 6 décembre 2011

موهبة الجمع و المنع

حدَّث صاحبٌ لنا قال
اجتمع قومٌ في المسجد ممّن ينتحل تحليل الجهاد و تحريم عيش النّساء من دون العباد، و قد كان هذا المذهب عندهم كالنَّسَب الذي يجمع على التّحابب و كالحلف الذي يجمع على التناصر، و كانوا إذا التقوا في حلقتهم تذاكروا هذا الباب و تطارحوه و تدارسوه التماسا للفائدة و استمتاعا بذكره. و بينما هم كذلك إذ اندفع شيخٌ منهم فقال: " لم أرَ في وضع الأمور مواضعها و في توفيتها غاية حقوقها، كسُراقة الجَبَليّ." قالوا: " و ما شأنُ سُرَاقةَ هذا ؟ " قال: " أهدى إليه العامَ إبنُ عمّه سَامْ أرضًا عامرة خصيبة، أهلـُها بين ماجنٍ سائبٍ و تائب كاذب و عاطل في الشّغل راغب. فرأيتـُه كئيبا حزينا مفكّرا مطرقا، فقلت له: ما خطبُكَ يا سُراقـَة؟ قال: أنا رجلٌ لا أقرأ، و لا عهدَ لي بتدبير حال البلدان و قد ذهب الذين كانوا يدبّرونه، و قد خفتُ أن يضيع بعضُ هذه الأرض و لستُ أعرف وضع جميع الأمور في نصابها و قد علمتُ أنّ الله لم يخلق فيها و لا في غيرها شيئا لا منفعة فيه و لكنّ المرء يعجز لا محالة. و لستُ أخاف من تضييع القليل إلاّ أنّه يجرّ تضييع الكثير

أمّا العِلمُ ، فالوجه فيه معروف، و هو أن لا حاجة بنا للعلوم الصّحاح و لا إلى لغات الكفرة السُيّاح، و لنا في السّلف الصّالح خيرُ مَعين و به نلوذ و نستعين و في كتبه العلمُ المُبين. و أمّا دُورُ  الدُفِّ و الوترْ ، و الصّورة و الخَبَرْ فإنّهم لي مُوالون و بحمدي يسبّحون. و أمّا الرّؤوسُ العامِرَه و الحناجرُ الهادِرَه فسبيلـُها أن تـُكسَر ثمّ تـُطبَخ، فما ارتفع من الدّسَم فللمصباح في الليالي المُظلمة، أمّا العظام فيُوقَدُ بها. أمّا الأجورُ فشأنـُها أن يَجمُدَ سَيْرُها و يؤولَ إلى بيت المال رُبعُها. ثمّ قال : بقيَ عليَّ الانتفاعُ بالدّماء، و قد علمتُ أنّ الله عزّ و جلّ لم يُحرّم من الدم المسفوح إلاّ شربَه و أنّ له مواضعَ يجوز فيها و لا يُمنَعُ منها، و إن أنا لم أقعْ على علم ذلك حتّى يوضَع موضعَ الانتفاع به صار كَيَّة في قلبي و قذى في عيني و هَمـًّا لا يزال يعودُني. ثمّ ما لبث أن تبسّمَ، فقلتُ : ينبغي أن يكون قد انفتح لك بابُ الرّأي في الدم. قال: أجل، ذكرتُ أنّ قصرَ الخلافة قد تصدّعت جدرانُه و تهدّمت أركانه، و قد زعموا أنّه ليس شيء أزيد قوّة لبنيان السّلطان من التلطيخ بالدم الحارّ الدّسم، و قد استرحتُ الآن إذ وقع كلّ شيء موقعَه

قال شيخُهم: ثمّ لقيتـُه بعد أشهُرٍ عشر ، فقلتُ له " كيف كانت جباية العام؟" قال " بأبي أنتَ ، لم يَحِنْ وقتُ الجباية بعدُ، لنا في النِّـقاب حوارٌ و حساب، و لكلّ شيء إبّانٌ

فضرب أحدُ الحاضرين الأرضَ بقبضة يده ثمّ قال: لا تعلمُ أنّكَ من الفاسقين حتّى تسمع بأخبار الصّالحين

اقتباسا لقصة " معاذة العنبريّة " للجاحظ

dimanche 4 décembre 2011

الأوغــــــــــــــاد

كلّما امتدّت يدٌ، غابت حجّة و عجز عقلٌ و وَهَنت إرادة و ضَعُفَ موقف. فالـلّعنة على الأوغاد