vendredi 24 décembre 2010

ميلادا مجيدا أيّها الغرباء

أيّها الغرباء الذين يبدأون عاما جديدا بعيدا عن الأوطان أيًّا كانت الأسباب ، بعيدا عن أصدقاء الطفولة و الصّبا ، بعيدا عن البيت العتيق الأليف اللامنسي ، بجذور عارية ترتجف بردا في شوارع الغربة المثلجة . أيّها الغرباء الذين يستقبلون سنة جديدة بالغصّة السرِّيّة مثل فراشات معَلّقة بالدّبابيس على جدران الوحشة ، أينما كنتم تذكّروا أنّ شرياني المفتوح على الورقة المُلقَّب بالكتابة هو منكم و معكم ، تذكّروا أنّني أشاطركم ذلك الدّمع العصيّ ، تلك الأصوات الخافتة عند منتصف الليل و انشطار الرّوح إلى شخصيّتين واحدة تتابع سهرتها في الغرب و أخرى تمشي في شوارع الذاكرة
أيّها الغريب ، تذكّر أنّني أشاطرك نزف القلب خلف ابتسامات الكبرياء ، أشمّ رائحة غليون التجلّد و أنت تدخّن ما تتوهّم ، أستحمّ معك تحت شلاّل التّوق المستحيل و أضمّك إلى قلب أبجديّتي بدفء المحبّة كطفلين في ميتم كوكب الأرض يتدفأ كلٌّ منهما بالآخر في كهف الصّقيع و المجهول
ها أنا أركض في ممشَى قطار منتصف الليل الماطر عكس الاتّجاه و أحاول أن أجفّف عن وجهك قطرات المطر ، أم تراه دمعك؟
أعرف أنّها تمطر سرّا بين قميصك و عنقك و بين جلدك            و عظامك ، أعرف أنّك ترمّم أزمنة مهلهلة في الوطن و تنسب إليها فضائل لم تكن لها كلّها

ميلادا مجيدا أيّها الرّجل الوحيد و سنة جديدة قدر الإمكان




غادة السمّان
كتاب الأبديّة
لحظة حبّ 

lundi 20 décembre 2010

ميــــزيـريــا 5

كثر الهمّ و ماعادش تفيد فيه تخبية و الّي كان مستور بالجراتل ظهر و تكشف ، الواحد يبدا قاعد يغزّل و في باله بروحه ضحيّة أما كيف يشوف العجب و الدمّار ينسى نفسه

يقولو الأدب يزدهر في عصور الانحطاط ، يظهرلي هالفكرة موش صحيحة و إلاّ توصل عندنا أحنا و تولّي غالطة على خاطر في عوض الانسان يفتّق حريّة فكره باش يبدع و يبني معرفة ، يتلهى يكتب في الهموم اليوميّة هذا إذا ما طارتلوش النّفحة جملة وحدة و إلاّ ما مرجوشي عمّار و ولادُه بالتبنّي هاك الّي يبداو يستنّاو فيك في الدّورة عالتنفيسة باش يأوّلو كيما يشتهيو و يكفّرو كلّ فكرة ما تجيش على قرقوش قلوبهم

نبدا بخبيّر صغير قريته البارح في موقع صحيفة أجنبيّة ، قالّك يا سيدي في إسبانيا خرجت مسيرات في كامل أنحاء البلاد احتجاجا على سياسة التقشّف الّي تسلك فيها الحكومة . أي من حيني نصبت العسّة على قناة الجزيرة ، ما نكذبش عليكم قعدت نراصد نسمعشي خبر يقول إلّي قوات الأمن في اسبانيا اتدخّلت باستعمال العنف مع المتظاهرين . شيء ، يظهر فيهم الجماعة غادي غسلو صابونهم الدخلاني وحّدهم و مضمضو لهاك النّاس الّي تفنى على زيادة الماء و الدّقيق . من شيرة أخرى أنا الخبر هذا وقّفلي مخّي بصراحة ، كان السبنيور الّي يفشّخو في طرانط طماطم كلّ عام قال شنوّة مهرجان و يدوّشو بيها و هي سايلة سواقي في شوارع المدينة ، يحتجّو على التقشف و غلاء المعيشة مالا شتقول الشعوب الّي حكّة طماطم بورطل و قارصة و مخلّطة بالموادّ الكيميائيّة وصلت عنهم للدّينار ؟ من غير ما نحكي على السكّر
و الزيت و النّعمة و المحروقات و الاتّصالات ... و الليستة طويلة

ما نعرفش علاش هالايّامات الكلّ يجيو بين عينيّ هاك النّاس الّي خدمو السُّخرة ؟ هكاكة من عند ربّي ساعات نتفكّر صفحات كحلا مالتاريخ . عندي تلامذة قلت لهم شمعناها " خَمَّاس " قالولي إلّي يخدم نهار الخميس ... لا علينا

عندي جاري على باب الله ، عنده نصبة متاع فريب حتّى حانوت و إلاّ مخزن وين يحطّ سلعته ما يكسابهاش و زيد كاري في الضيق ، من مدّة مات ولده الكبير في جرّة غلطة طبيّة ، و ولده هذا كان هو الوحيد الّي يخدم على العايلة الكلّ ، المهمّ الرّاجل تلهى في حزنه و في الهوكش الّي تصبّ عليه في الدّار حتّى توفى مرقة المرقة ، مانا زعام أحنا في البركة فرح و إلاّ غيار نشدّو وجه العبد في عوض نخلّيوه لاهي في مصيبته و ما نخمّموش بالكشي ما في حالوش باش يقيم بهاك العرش الّي بايت صابح عنده، المهمّ الرّاجل بطّل نصبة الفريب مدّة من زمان حتّى تعدّات فترة الحزن و تفرقت الحضبة من داره ، نهار السبت حبّ يرجع يصوّر خبزة رغم الّي موت ولده هدّه المسكين و لكن وليداته صغار و يقراو يلزمهم مصروف و ماعندهم حتّى ذنب و هو توّا قعد موردهم الوحيد ، أي الرّاجل جا باش يحطّ برويطته في بقعته متاع العادة و بدا يحلّ في بالات الفريب و تهبط له الطامّة          و العامّة ، لا " البركة فيك " لا " الله لا يعاود عليك غيار " .. شيء . طول قالو له : شتعمل هنا ؟ أنت غبت برشة و بقعتك خذاها واحد آخر و دفع كراها ، عاود جدّد رخصتك و إلاّ هزّ نصبتك من هوني ... و خلّيتهم فكّ ايدي من شوشتك
و قعدت في قلبي خايفة لا الرّاجل في لحظة يأس يضرب لها بيدون قاز و يقلّها العرب رحلت





samedi 18 décembre 2010

معلم في الذاكرة 2: أبواب مدينة تونس العتيقة 2

باب البحر

بُنِيَ في عهد الأغالبة في السّور الشرقي للمدينة العتيقةقبالة بحيرة تونس ممّا سهّل الحركة بين المدينة و المرفأ ، و تنقل الرّوايات أنّ البحر كان يصل إليه إلاّ أنّها تبقى روايات ضعيفة لا تستند إلى أيّة وثيقة تاريخيّة . في 1860 و بعد تهديم الأسوار فكِّك الباب و أعيد تركيبُه في مدخل شارع البحريّة بطلب من قنصل فرنسا ليون روشي الذي أقام في 1857 مقرّ القنصليّة خارج الأسوار على شارع البحريّة و أخذ بابُ البحر اسمَ باب فرنسا خلال الاستعمار و مازال الاسمُ مستعملا إلى اليوم . في 23 نوفمبر 1925 أهدى المقيم العام لوسيان سان تمثال الكاردنال شارل مارسيال لافيجري حاملا الصّليب ، فقرّرت بلديّة تونس وضعه في الساحة المطلّة على باب البحر ، ثمّ فكِّكَ التمثال سنة 1952 بقرار من العمدة علي البلهوان و نُقِل إلى حديقة متحف قرطاج


باب عليوة

بناه السّلطان الحفصي أبو اسحاق ابراهيم المستنصر في الجهة الشرقيّة من أسوار مدينة تونس . سُمّي بباب عليوة نظرا للعِليّة التي كانت فوقه . دخل منه خير الدين بربروس مدينةَ تونس    سنة 1534 م ، و كان يُسمَّى أيضا باب القوافل نسبة للقوافل التي كانت تصله محمَّلة بالحبوب و الزيت من السّاحل و الوطن القبلي

باب الفـَـلّة

سُمِّيَ كذلك لأنّه كان مجرّد ثلمة أو "فلّة" في سور المدينة استُعمِل لفرار السكّان عندما احتلّ الإسبانُ المدينة في القرن السادس عشر. سُمّيَ أيضا باب السرداب ، و بُنيَ سنة 1350م و له دور اقتصادي هامّ فهو يفتح على الطرق المؤدّية إلى زغوان و القيروان . و هُدِّمَ الباب قبل عام 1890م

باب القرجاني

و الأصحّ باب الغرجيني أو سيدي علي الغرجيني الذي عاش في القرن 13 م و هو أحد التلاميذ الأربعين لأبي الحسن الشاذلي. بُنيَ الباب خلال الحكم التركي و استُعمِل لمراقبة سهول مرناق         و السيجومي بفضل البرج الذي يحاذيه

باب المنارة

هو أحد أقدم الأبواب بُنيَ عام 1276م على السور الغربي للمدينة في عهد الحفصيين و سُمّيَ بباب المنارة نسبة إلى مشكاة كانت بجداره لهداية المارّة

باب سيدي عبد الله الشريف

كان قد بُنيَ في الجانب الجنوبي الغربي للقصبة و سُمِّيَ على اسم الوليّ الصّالح حيث يقع ضريحه ، و كانت للباب وظيفة عسكريّة لذلك سُمّيَ أيضا باب الغَدْر في القرن 14م ، كما سُمّيَ باب علي الزواوي في القرن 18م  

معلم في الذّاكرة : ابواب مدينة تونس العتيقة

هي أبوابٌ نمرّ بها كلّ يوم تقريبا و قلّما نرفع رؤوسنا لتأمّلها      و استقراء تاريخها ، أبوابٌ واقفة شاهدة ، لم يترك منها الزمنُ الكثير ، بعضُها تمّ ترميمُه و بعضُها الآخر هُدِّم بالكامل كما حدث للأسوار التي كانت تصلها . هذا نصّ للوفاء و الذكرى ، و لأجيال لم يعد الواقعُ يُلهمها و لا متونُ الكتب تستهويها
لمدينة تونس ثمانية عشر بابا هي على التوالي : باب الأقواس - باب البحر - باب بنات - باب الجديد - باب الجزيرة - باب الخضراء -باب سعدون - باب سويقة - باب سيدي عبد السّلام - باب سيدي عبد الله الشريف - باب سيدي قاسم - باب العسل - باب العلوج - باب عليوة - باب الفلّة - باب القرجاني - باب قرطاجنّة -باب منارة
سنقسّم التعريف بها إلى تدوينتين أو ثلاث تجنّبا للإطالة و الإملال

dimanche 5 décembre 2010

من بيت أحد السمّاكين في قرقنة إلى مجلس الأمن في نيويورك

سأترك لكم السّياسة و التّأريخ ، سأترك لكم البحث في القوانين الدوليّة و سأترك لكم التوثيق بالوقائع و الأرقام و الصّور ، فلستُ من هواة الكلام على الكلام و أدرك أنّي لن آتِيَ بجديد .
في المقابل ، اسمحوا يا سادة أن تَدَعُوا لي ساحة العاطفة. فلن أفشيَ سرّا إذا قلت ، و بعد كلّ ما درَست و دَرَّستُ عن الشّهيد فرحات حشّاد ، شاهدت الشّريط الذي بثّته عنه قناة " الجزيرة الوثائقيّة " عشر مرّات . نعم عشر مرّات . و في كلّ مرّة لا أقوى على منع قشعريرة تكتنفني و دمعة تترقرق في المآقي فيمنعها الإباء . سيقول بعضهم: الإباء ؟ لِمَ العبارات الفضفاضة؟ نعم الإبَاء ، و لستُ أرى غيره يقينًا بأنّ الرّجل كان أكبر من الدّموع.
رجلٌ حمل قدَرَه على كتفيه منذ انخرط في النّضال، رجل أدرك أنّه ميّت لا محالة و كان يقول " لابدّ أن يموت أحدنا كي يُفتَحَ طريق للحريّة " و تقبّل دور القربان عن طيب خاطر ، لم يهرب ، لم يختبئ ، لم يترك البلاد و لم يهادن . و مات مناضلا . كلّ الزّعماء نالهم النّفي و الاعتقال و التعذيب إلاّ حشّاد ، كان زعيما في حجم الاغتيال ، ما كان لشيء أن يوقفه سوى التّصفية الجسديّة .
رجل لم يشترط الإمكانيّات ليحقّق الإنجاز ، كلّ عدّته كانت مائدة و قنديلا و قلما و بضع أوراق و عزما كبيرا و حبّا للشّعب أكبر ، ضاقت به الضّلوع ففاض عنها إلى ساحات النّضال . فجاءت الإنجازات في حجم العزائم : نقابات للجنوب ، فنقابات لعمّال الشّمال ، ثمّ اتّحاد عامّ تونسيّ للشّغل هو الأوّل على الإطلاق في شمال إفريقيا بل في العالم العربي كلّه ، غوص في أعماق الطبقة الشّغيلة و تجذّر في التجربة الاشتراكيّة و تفطّن لأهميّة دور شيوخ الإسلام ، كلّ هذا مع اتّصالات و علاقات وثيقة بالنقابات الفرنسيّة و العالميّة و تبليغ صوت تونس في المؤتمرات الدوليّة، ثمّ اقتران النّضال النقابي بالكفاح السّياسي يقينا بأنّ كرامة الوطن و حريّته كلّ لا يتجزّأ . حتّى صار الرّجل أحد الزّعماء إن لم يكن أبرزهم و أخطرهم حضورا و إقناعا و إشعاعا و حماسا و مثابرة .
ثمّ كان صباح يوم الجمعة 5 ديسمبر 1952 . و في الطّريق الفاصلة بين "رادس" و "نعسان" سالت دماء روَتْ .. و روَتْ ، رَوَت الأرض الضمأى للتضحيات و رَوَتْ فصلا من فصول الإقدام. أربع و عشرون طلقة ناريّة على السيّارة و بضع طلقات على الجسد : في القلب و الرّئة و الجنب و رصاصة أخيرة استقرّت في الرّأس.
ليس غريبا أن يكون موت حشّاد شرارة البداية و شحنة دافعة لاندلاع المقاومة في الدّاخل و الخارج . كم كانت غبيّة تلك الأيدي الإجراميّة التي امتدّت إليه في صلف و غدر حين ظنّت أنّها بقتله قد أخرست صوتا و غفلت أنّها أطلقت ملايين الحناجر ، فتفاعلا مع اغتياله خرجت مظاهرات في الولايات المتّحدة و روسيا و عدّة عواصم أوروبيّة ، و أقيمت عليه صلاة الغائب في مصر ، و انتظمت إضرابات و مظاهرات هي الأشدّ من نوعها في المغرب الأقصى و التي أدّت إلى اندلاع الحركة المسلّحة ضدّ الاستعمار

و بعدُ ... يُفتَحُ قبر الشّهيد لتُنقَلَ رفاته إلى العاصمة بعد ثلاث سنوات من دفنه فإذا به كما تركوه إلى حدّ إغماء أحد الحاضرين . و كأنّ دود الأرض أدرك أنّ الميّت من طينة العظماء فاستحى و أخلى المكان.
ألم أقل لكم إنّه أكبر من الدّموع؟