mercredi 29 avril 2009

شهــــوة إلاهــــــــة




أحَبَّ إلـهٌ في صبـاهُ إلاهَةً -- جَرَى السّحرُ في أعطافها و التَّرَائبِ
تَمَـنَّتْ عليه آيَةً لم يَجئْ بها -- إلـهٌ سواه في العصـور الذّواهِـبِ
ليُمْسِي على الأرباب أجمَعَ سَيِّدًا-- و تُمْسـي تُبَـاهي كلَّ ذاتِ ذوائِـبِ
و كان إلـهً جَامِـحًا مُتضَرِّمًا -- هَوَى، فأتَـى بالمعجزات الغـرائبِ
كَسَا الأرضَ بالزّهر البديع لأجلها-- و رصَّعَ آفـاقَ السَّمَا بالكـواكـبِ
و مازال حتّى عَلّمَ الطَّيْرَ ما الهَوَى-- فحَنَّتْ و غَنَّتْ في الذُّرَى و المَناكبِ
و أنشَأ جَنَّاتٍ و أجْرَى جداولا-- و مَـدَّ المروجَ الخُضرَ في كلّ جانبِ
و شَاءَ، فشَاعَ العطرُ في الماء و الضِّيَا-- و في كلّ صوتٍ أو صَدًى مُتَجاوبِ
و مَسَّ الضُّحَى فارفَضَّ تِبْرًاعلى الرُّبَى--وسَالَ عَـقيقًا في حَواشي السَّبَاسبِ
و قال لأحلام البحار تَجَسَّـدي -- مَوَاكِـبَ ألـوانٍ و جَيـشَ عجـائبِ
و لمَّـا رَأى الأشياءَ أحسَنَ ما ترى -- و تَـمَّتْ له دُنـيَا بغيـر مَـعَايِبِ
دَعَـاهَا إليه كيْ تُبَـاركَ صُنعَـهُ -- و لم يَـدْرِ أنّ الحُبَّ جَمُّ المَـطَالبِ
فقالت له:أحسَنتَ، أحسنتَ مُبدِعًا -- فيالكَ رَبًّـا عبقريَّ المواهـبِ
و لكنَّ لي أمنيَّة ما تَحَـقَّـقتْ -- إذا لمْ تُـنِلنِـيـها فلستَ بصاحبي
---------------
فـدُنيَاكَ هذه على حُسنِـها -- و سِـحرِ مَشـاهـدِها و الصُّـورْ
تُـشَاركُني سَائِرُ الآلهات -- لذَائِـذَهَـا و نِـسَـاءُ البَـشَـرْ
---------------
أريـدُ دُنـيَا فيها شُـعَـاعٌ -- يَبـقَـى إذا غَـابَتِ النّـجُـومْ
أريـدُ دُنْـيَا تُـحِسُّ نفسـي -- فيها نُـفُـوسًـا بلا جُـسُـومْ
أريـدُ خَـمرًا بلا كـؤوسٍ -- من غير مـا تُـنْـبِتُ الكُـرُومْ
أريـدُ عِطـرًا بلا زُهُـورٍ -- يَـسْـري و إنْ لم يَكُنْ نَـسيـمْ
---------------
و زادَتْ فقالتْ : أريدُ أنِيـنًا -- يُـشَوّشُ روحِي و لا مُحْـتَضِـرْ
و مَـاءً يَمُوجُ و لا جَـدْوَلٌ -- و نَـارًا بلا حَـطَبٍ تَـسْتَـعِـرْ
فأطْـرَقَ ذاكَ الإلـهُ الفَـتِيُّ -- و في نفـسِـهِ ألَـمٌ مُسـتَتِـرْ
و قـال امْهِليـنِي ثلاثَ لَيَالٍ -- أذَلِّـلُ فيها المُـرَادَ العَـسِـرْ
و رَاحَ يَجوبُ رِحَـابَ الفضاء -- يَحْـدُوهُ شوقٌ و يَـدْعُـوهُ سِـرْ
و بعد ثَلاثِ لَيَـالٍ أتَـاها -- فظَنَّـتْهُ جَاءَ لكَيْ يَعْـتَذرْ
فقـال وجدتُ الذي تَطلبيـنَ -- لدَى شَـاعرٍ ساحِرٍ مُـبْتَكِـرْ
و أخْـرَجَ خَيْطًـا قصيرَ المَدَى -- بلونِ التُّرابِ و لِينِ الشَّـعَرْ
فصاحتْ بغيْظٍ : أتَسخَرُ مِنِّي ؟ -- إذنْ فاحْمِلِ العَارَ أو فانتَحِـرْ
أجابَ : رُويْدَكِ يا رَبَّـتي -- فما في التعجّل إلاّ الضَّـرَرْ
و شَـدَّ إلى آلـةٍ خَـيْطَـهُ -- و دَغْـدَغه صامتًـا في حَذَرْ
فـفاضَتْ خُمُورٌ و سَالتْ دموعٌ -- و شَـعَّتْ بُـرُوقٌ و لاحَتْ صُورْ
فصاحَتْ به و هيَ مَـدهوشَـةٌ -- ألا إنّ ذا عَـالَـمٌ مُـخْتَصَـرْ
فيَا ليتَ شعريَ ماذا يُسَـمَّـى -- فقـال لها : إنَّ هذا الوَتَــرْ

lundi 27 avril 2009

كليتوني في الهديّة ؟؟؟


سنة أولى من التّدوين انقضت

jeudi 23 avril 2009

في الغربة ... غرباء

بالأمس و أنا أستقبل النّصف الثاني من اللّيل بعين مُؤرَّقة كنتُ أتسكّع بين صفحات الفايس بوك و الفضاء التدويني و أتبادل الحديث مع بعضهم ، لاحظتُ ظاهرة مُلفتة و هي أنّ المهاجرين أكثر حديثا فيما بينهم من حديثنا معهم ، كما استوقفتني عدّة علامات فبعض المغتربين صار يكتب بالفصحى و البعض الآخر ينقل لنا تحرّكه بين المدن الغربيّة بالتّفاصيل الدّقيقة و البعض يتلقّف أخبار البلد و البعض إذا أصابه توعّك صحيّ تضخّم في وعيه و تراءى له أنّه سيموت وحيدا . و شعرتُ أنّنا هنا لا نقلّ غربة عنهم ، زحف علينا شعور الغربة و تفجّر من عيوننا الزّائغة و ابتسامنا المُجامِل. غرباء نحن في حالة اللاّرغبة التي تتملّكنا ، غرباء في تخبُّطنا ببعضنا و بمواضيعنا و قضايانا ، في نزعتنا الهجوميّة المتطوّرة ، غرباء في أحلامنا المنهارة على صَخر و ما أكثر الصّخور ببلدنا ماضيا و حاضرا ، غرباء في عجزنا عن تغيير أيّ شيء بل في عجزنا حتّى عن الاحتفاظ بالتوازن و كم نحن غرباء في تلذّذنا بالتّواري خلف الأسماء المستعارة . فجأة لمعتْ في خاطري قصيدة قديمة لشاعر المهجر المُرهَف إيليا أبي ماضي . لستُ أدري كيف نفذتْ إليَّ و لا من أيّ مسلكٍ عَرجَتْ لتَطْفو على سطح الذّاكرة ، باغتتني و ظهرَتْ كالسّراب الخُـلّب و وجَدتُـني أذكرُ كلماتها و أتمتمُها رغم طول السّنين ، قرأناها و كنّا صغارًا فلم نَـفقَهْ شيئا و اليومَ تغُوصُ في القلب كلماتُها المُوجِعَة تمامًا كالشّفرَة الباردة لا تشعرُ بألمها إلاّ حين تَترُكك عندها تَعِي أنّ جُرحَكَ مفتوح و أنّكَ تنزف .
إلى كلّ المهاجرين خارج حدود الوطن و إلى كلّ المغتربين داخل الوطن و إلى كلّ من في غربته غريب أهدي هذه القصيدة

دَعَتْـهُ الأمَـاني فخَـلَّى الرُّبوعْ – و سافر و هو يكادُ يَطيـرْ
و في الصّدر بين حَنايَا الضّلوعْ - لنَيْـلِ الأمَاني فؤادٌ كبيـرْ
فـحَثَّ المَطَايَا و خاض البحارْ - و كَرَّتْ ليَالٍ و مَرَّتْ سنونْ

ولـمْ يَرْجَــــعِ

و ألقَى عَصَاهُ و حَطَّ الرِّحَـالْ - بأرض الأشَـاوِسِ و الأشْبُلِ
تَـنُمُّ عليـه فِعَـالُ الرِّجَـالْ - كَمَـا نَمَّـتِ الرّيحُ بالمَـندَلِ
و راحَ يُغنِّـي بصَفْـو الزَّمان - غناءَ البلابلِ فوق الغصُـونْ
علــى مَسْـمَـعِي

و عَادَ إلى الحَيِّ بعد الغيابْ - بأرض الصّديق و أرض الحبيبْ
فـأنكَرَ الحَيَّ حَيَّ الشَّـبَابْ - كما أنكَـرَ الحَيُّ هذا الغَريبْ
فرَاحَ يَـجُولُ و رَاحَ يقولُ - بصوتٍ كئيبٍ دَهَتْـهُ الشّجُونْ
و لَـمْ يَجْــزَعِ

أيَـا جيرَةَ الحَيِّ أينَ الطَّريقْ – فإنِّـي ظَللـتُ على المنـزِلِ
لقد كانَ لي في حِمَـاكُمْ رَفيقْ – من المَهدِ في الزَّمَنِ الأوَّلِ
فغَضُّوا العُيُون و فيها الدُّمُوعْ - فحَارَ فؤادِي بتلك العُيُونْ
و فـي الأدْمُـــعِ

و قالـوا رَأينا شَريدًا يَجُولْ - بعيدًا عن النَّـاسِ في مَعْزَلِ
يَبيتُ اللَّيَالي يَـؤُمُّ الطُّلُـولْ - و يَبْـكِي على عَهـدِهِ الأوّلِ
فقلتُ دَعُـوهُ عَرَاهُ جُنُـونْ - و مَرَّتْ ليَالٍ و كَرَّتْ سنُونْ
و لمْ يَـرْجَـــعِ

dimanche 19 avril 2009

هيّـا بنا نلعَـب

تبعًا لتدوينة لي سابقة بعنوان " أيَّ الهدايا تريد ؟ " اقترح عليّ الصّديق أنتيكور أن أحوّل الفكرة إلى لعبة هي في الحقيقة على جانب كبير من الجدّ أكثر من الهزل ، و لقد انطلقت من الفكرة لأصوغ نوعا من المسابقة في شكل أسئلة خمسة يتولّى المدوّن الإجابة على كلّ سؤال منها بخمس إجابات ثمّ يحوّل اللّعبة إلى خمسة مدوّنين آخرين بذكر أسمائهم و هكذا دواليك . كنّا قد مارسنا هذه اللّعبة في فضاء الفايس بوك و لكن في نطاق محدود جدّا ، و انقشعت أمام المشاركين أشياء جديدة عن أنفسهم لم يكونوا يدركونها إذ أنّ فلسفة اللّعبة ترتكز أساسا على ضيق الاختيار . لن أطيل التقديم و هذه هي الأسئلة

خمس هدايا أتمنّى الحصول عليها


خمس إجراءات أتّخذها لو كنتُ رئيس دولة


خمسة أشخاص أتمنّى أن أضربهم



خمسة أشخاص أتمنّى العيش معهم


خمسة أشياء أفعلها لو علمت أنّي سأموت غدا


أعيّن لهذه اللّعبة المدوّنين الخمسة الأتي ذكرهم : أنتيكور- سمسوم – الدّوعاجي – اللصّ رقم 1 – بنت عايلة

mercredi 15 avril 2009

شنيّة هالميزيريا ؟ وينهم المدوّنين ؟

نداء عاجل نتقدّم بيه لكلّ المدوّنين الغائبين و هاني باش تطلعلي الكلبة بنت الكلب و ما عادش يهمّني في ظروفهم ، كيف يتعدّاو و ينشرو نصّ في النّهار موش باش تقف الكرة الأرضيّة .
أزواو – بيغ - براستوس - عيّاش – الفرررر - بالملوان - هلالي - دوعاجي – بوقرنين – ستوبور – شنفرى – الحلاّج – سمسوم – هناني - زبراط – ماني الإفريقي و غيرهم ...
يسامحوني بقيّة الأصدقاء الّي ما ذكرتش أساميهم
تي حتّى الّي قعدو شادّين صحيح يكتبو مرّة بعد قدّاش ، و الجماعة الكلّ راكشة في الفايس بوك تهدي في الورد و الشكلاطة و الكونوليا و دولاب كبير .
أيا سيدي باش ترجعو كالعادة و إلاّ نسكّرو الحوانت و خلّي البلوغسفار يزفّر فيها الرّيح ؟
و أنا نحضّر في روحي باش نعمل حفلة الجمعة الجاية على خاطر مدوّنتي باش تغلق عامها الأوّل ؟ و أنتوما فرْ فرْ باش ما تهديو لي شئ ؟ و الله و الله و الله للثّالث خَطرَة يا لو كان ما ترجعو إلاّما نقترح على حسين يلوّن صفحة البلوغسفار قزوردي و يا شماتة عَمَّار فينا

lundi 13 avril 2009

أيَّ الهَــدايَـا تُـفـضِّــل ؟



كان يكفي أن أحرّك سواكن التلاميذ بسؤال و أترك لهم حريّة التعبير في جوّ من الثقة . يكفي أن يطمئنّ إليك التلميذ كي يُطلق العنان لأحلامه و آماله و هواجسه و كلّ المسكوت عنه في فضاءات أخرى . و لم يكن في الأمر اجتهاد خاصّ منّي بل كانت حصّة تواصل شفويّ مخصّصة للحوار في قضيّةٍ مَا ، و كان الموضوع : معايير تقييم الكماليّ و الضروريّ في حياتنا في مقاربة لإدراك مكانة الفنون . كان يجب أن أحوم حول الهدف لأسْتَـلَّ من التلاميذ ما يريدون هم قوله لا ما أريد أنا ، و من ثَـمَّ أعـرُجُ بهم إلى هدف الحصّة متّخذة من تدخّلاتهم مسالك فيقتنعون أنّهم قادرون على التفكير .
سؤال واحد فتّق حُـجُب الصّمت و كشف الخفيّ : ما هي الهدايا التي تتمنّى الحصول عليها ؟
غريب كم لهم من الأفكار و الأحلام لا نسمعها و لا نعيرها اهتماما في خضمّ حياتنا اللاّهثة ، و رغم أنّ بعضهم لم يميّز بين الهديّة و الأمنية غير أنّي سأنقلها كلّها كما جاءت و لن أعلّق عليها ففي كلّ إجابة قراءة و قراءات حين تمعنون فيها النّظر . ستقولون أضغاث أحلام بعيدة عن الواقع . و متى كان الحلم جريمة ؟ فرجاء لا تنظروا إلى الحلم بل ركّزوا على النّفوس الصّغيرة التي احتوت هذه الأحلام .

تمنّى التلاميذ الحصول على الهدايا التالية

جواز سفر بتأشيرة لكلّ البلدان
رحلة إلى الفضاء
مأدبة عشاء مع ممثّـلي المفضّل
عطلة لا تنتـهي
تصوير فيديو كليب
حاسوب محمول
سيّارة فخمة
منزل فخم بكلّ التجهيزات
رصيد بنكي لا ينفـذ
مَدرَسة في البيت
مقهى في البيت
حيوان أليف لا يموت
صديق يسمع و لا يتكلّم
مجوهرات و ملابس فاخرة و أكسسوارات
قيثارة كهربائيّة
مصحف قرآن مُطَـعَّم بالذّهب
قضاء يوم واحد برفقة أبي القاسم الشابّي
ورود كثيرة تملأ البيت و لا تذبل
.............

ما رأيكم ؟؟؟

samedi 11 avril 2009

وداعًــا إبراهيـم كَــاترُو



أستاذي و أستاذ أجيال و أجيال في اللّغة و الأدب العربي ، أوّل من فتح وعيي على الشّعر الجاهلي و على الأدب الذّهني و على النّقد و المدارس الأدبيّة ... كتلة من العطاء لا تنثني حتّى بعد الإحالة على التقاعد ، ظلّ يزاول المهنة في المعاهد الخاصّة و ينشط في المنظمات و الجمعيّات و لا تراه إلاّ و هو في نقاش في المعهد و في الشارع و في المقهى و حتّى في بيته فوقت الرّجل و حتّى هاتفه ليس ملكا له
.
و لأنّه ليس من الفنّانين و لا المشاهير فقد سقط في خضمّ عطائه دون ضجيج ، تماما كما سقط نجيب الرّيحاني و هو يؤدّي آخر مشهد من مسرحيّته و كما سقط علي الرّياحي على خشبة المسرح البلدي فقد سقط إبراهيم كاترو و هو يؤدّي واجبه المقدّس في القسم ، نعم كان قبل دقائق في جدال مع زميل له حول فصل من تلاميذ الباكلوريا أصرّ أن يدرّسهم أوّل أمس / يوم عطلة رسميّة ، ذكرى الشّهداء يا للمفارقة / قائلا : " لابدّ أن أتمّ حدّث أبو هريرة قال " و درّس القسم و أتمّ الدّرس و رنّ الجرس و جلس على كرسيّه و خرج التلاميذ و لم يخرج إبراهيم كاترو ، كان نبض قلبه قد توقّف و إلى الأبد
.
بالأمس شيّعنا جثمانه في حشد كبير من زملائه القدامى و الجدد و تلامذته
.
رحمك الله سيّدي و مُعلّمي و زميلي و تولّى التعليم برحمته من بعدك .

samedi 4 avril 2009

الشّـجَــر الطّـــائــر



" لو كان للشّجر حقّ الاختيار لآنقلب الشّجر طيرًا ، أغادر تونس غدا صباحا ، إلى اللّقاء في حياة أخرى مع كلّ الودّ و الاحترام سيّدتي "

قرأتُ الرّسالة في ذهول و أعدتُ قراءتها مرّات ، ثمّ دَسَستُها في جيب إزاري و قد غمرني اضطراب شديد و شعرت بجفاف في حلقي . سألتُ مدير المعهد و كرّرتُ السؤال " هل قال شيئا حين سلّمكَ الرّسالة ؟ هل أفصحَ عن وجهته ؟ "
لا جواب . كان عليَّ أن أهرَعَ لألحَقَ به و أردعَه عن عزمه غير أنّي لا أعلمُ له مقرًّا . لقد عزم على مغادرة البلد و عزمه لا مردّ له .

" أنا لم أختر وضعي و لا وطني ، فما يمنعني اليوم من تبديل هذا و ذاك ؟ ضاق بي الثّابتُ الذي لا يتحوّل فما رأيُكِ في قطعة من جبل بَـْرقو و ضفّة من الدَّانُوبْ و شَلاّل من نيَاقـارا و زوجة من الصّين و مواطنين من كلّ دين ؟ ..."

هو شابّ قارب الثّلاثين نزَحَ إلى العاصمة و لا أهلَ له فيها و التحق بالمعهد هذا العام في صيغة مُعَوّض لأستاذة في عطلة مرض طويل الأمد ، تصارع مع " الكاباسْ " سنوات و سنوات فصَرَعَته و أصرَّتْ على عدم التحاقه بسلك التعليم فرَضِيَ بالتّعويض يرتاد مكاتب الوزارة كلّ يوم يسأل إن كان هناك أستاذ متغيّب في هذا المعهد أو ذاك ليحلّ مَحَلّه لمدّة مُحدّدة . و إذا شحّت فرص التّعويض كان لا يتوانى عن طرح أستاذيّته في اللّغة العربيّة جانبا ليعملَ بنّاءًا و بائعا في مطعم رخيص و صبيّ بائع ملابس مُستعملة فالأهل في " البْلادْ
" يحتاجون المال و يكفي ما أنفقوا على دراسته .
لمَستُ في الفَتَـى إصرارًا فقدّمتُ له الدّعم قدر ما استطعت ، كان كلّما شكرني على صنيعٍ ما
أقول له " لا تُـرَاعِ شَرُّ البلاد مكانٌ لا صديقَ به " فيُصرّ على تحريف بيت المتنبّي " بل شرّ البلاد مكان لا عَمَلَ به " اليوم بعد عودة الأستاذة المتغيّبة منذ ثلاثيّتيْن عاد شبَحُ البطالة يتهدّده من جديد . يبدو أنّه قرّر الهجرة . فكَمْ سيُهاجرُ من شابّ بَعْدُ ؟ و كم سيُغادر من عقل ؟ و إلى متى سيستمرّ النّزيف ؟

mercredi 1 avril 2009

في المدارس الفنيّة : الـدَّادائيّة و السِّرياليّـة نموذجًـا


أعلم أنّي لن آتِيَ بجديد ، في الحقيقة هذا مقال ذو صبغة أكاديميّة أستهدف به تلميذا لي سألني اليوم بشكل انفراديّ " أستاذة ، ما معنى لوحة أو قصيدة سرياليّة ؟ " صبيّ صغير مجتهد في صفّ الثامنة من التعليم الأساسي مولع بالاطّلاع و الأنترنات و هو أحد روّاد مدوّنتي . فوعـدتُه بتدوينة في الغرض .

كثيرا ما يتأثّر الفنّ بظروف عصره من تحوّلات سياسيّة و اقتصاديّة و اجتماعيّة و ثقافيّة و ظروف البيئة و المناخ و العوامل الطبيعيّة و هذا ما يفسّر نشأة التيّارات الفنيّة التي صنّفها النقّاد و أهل الاختصاص إلى :
الكلاسيكيّة – الرّومنطيقيّة – الواقعيّة – الانطباعيّة – الرمزيّة – التجريديّة – التكعيبيّة – الوجوديّة – التأثيريّة – الدّادائيّة – السّرياليّة – العبثيّة – المستقبليّة ...
ظهرت الحركة الدّادائيّة خلال الحرب العالميّة الأولى عندما أعلن الشّاعر تريستان تزارا عن ولادة الدّادائيّة في زيوريخ سنة 1916 ثمّ انتقلت إلى فرنسا و أقطار أخرى لتبلغ ذروتها في 1919 . تواتر في كتابات تزارا معجم الحرب و خرج بشعر عشوائيّ لا انسجام فيه إلاّ ما جاء مصادفة
يقول تزارا " كيف تصنع قصيدة دادائيّة ؟
خذ جريدة
خذ مقصًّا
اقطع منها مقالا
ثمّ قصّ الكلمات التي كوّنت المقال منعزلة عن بعضها و ضعها في كيس
خضّها جيّدا
بعد ذلك خذ كلّ أقصوصة واحدة تلو الأخرى أنقلها على الورق و ستمثل القصيدة أمامك
و ها أنتَ الآن كاتب أصيل حتّى لو لم يتذوّق قطيعُ الرّعَاع قصيدتك
"
و لكن سرعان ما تلاشت الدّادائيّة بسبب موقفها الرّافض لكلّ شيء حتّى نفسها فقد كانت نتاج روح عَدَميّة أفرزتها الحرب ، كانت فوضويّة عبثيّة عدوانيّة ترى أنّ كلّ شيء زائف فدعَتْ إلى إلغاء التقاليد و المدارس الأدبيّة و الفنيّة القديمة المتكلّسة ، و هاجمتْ المنطق الذي ثبت لها أنّه الأساسُ المأساويّ للفعل ، كما هاجمت الفنّ الذي فرَّ إلى برجه العاجي و ترك العالم ينهار من حوله . لقد كانت الدّادائيّة احتجاجًا ضدّ المجتمع ، ضدّ القيم الدينيّة و الأخلاقيّة ، ضدّ اللّغة و الثقافة ، ضدّ الأنظمة التي ساهمت في ما أحدثته الحرب من دمار و إبادة و فوضى. هذه الحركة التي انبثقت من أحشاء مجتمع تنهشه الحرب آمنتْ بأنّ المجتمع الذي ينتج الحرب لا يستحقّ الفنّ

أمّا السّرياليّة فقد خرجت من رَحِمِ الدّادائيّة و استمدّت تصوّرها من سيكولوجيّة فرويد [ اللاّشعور و العقل الباطن و الأحلام ] و ظهرت سنة 1919 و نضجتْ في العشرينات . و من مبادئها أنّ الحقيقة لا توجد إلاّ في اللاّشعور و اللاّوعي لذلك تعتبر الفنّ نابعا من الفوضى و الهذيان و من المُنظّرين لهذه المدرسة الفرنسي أندريه بريتون ، و من روّاده أيضا الشّاعر لويس أراغون ، و جون كوكتو و ڤيوم أبولينير الذي كان يقول :

يا أعماق الشّعور
سنُنَقِّبُ فيكِ غدًا
و مَن يدري أيّ كائنات حيّة
ستبرزُ من هذه الهاويات...

أمّا رَامْبُو فكانَ يعتمد اللاّوعي في بناء قصيدته فاعتبره بعضُهم أبَ التيَّار السّريالي . هكذا تَحَلّلت هذه المدرسة من الواقع بل أنكَرَته كليًّـا و عَدَّته " زَائِفا كلَّ الزَّيْف " فشوّهَتْ مَعَالمَه و لم تَكَد تُبقي منه على أثَرٍ .

أرجو بُنَيّ أن أكون قد أجبتُ على تساؤلك الذي أسعدني مع تشجيعي لك على مزيد البحث و الاطّلاع سُـمُـوًّا بعقلك عن عالم الرّداءة