dimanche 16 septembre 2012

قالوا عودة مدرسيّة ...




العودة ...

تسميتها، بدلالتها المقيتة توحي إليك أنّك مهما ابتعدت و نشدت انعتاقا و احتضان آفاق أخرى فأنت عائد إلى قلب الرّحى لا مفرّ. فينهار كلّ العزم منك و يتفاقم احتقارك لعجزك، تثور يوما أو بعضه لحريّتك السّليبة ثمّ تصطفّ مع القطيع و تشارك الآخرين السؤال " صبّوا منحة الانتاج ؟" و تسخر في قرارك " أيّ إنتاج ؟ " و تهرب إلى السقوف و الجدران و المناضد و الأديم، فإذا القذارة ذاتها تزيدك رسوخا أنّك عدت. فتتأمّل جدول أوقاتك في استسلام، و بنفس الاستسلام تحتجّ في صمتك على حصص العمل المسائيّة، و تحتجّ أكثر على صبيحة يوم السبت رغم أنّك لن تبتعد عن بيتك إلى أكثر من السوق التعيس لقضاء حاجياتك التعيسة و رغم ذلك تحتجّ على التدريس يوم السبت، لكنّك ستعمل و ستزداد عيناك فيه تورّما و وجهك احتقانا و أعصابك تشنّجا.

ظروفها، نهاية صيف و بداية خريف، أثقل المواسم و أكثرها رطوبة و تقلـّـبا فلا حرارة الصيف تستسلم بل تنتقم في جولة أخيرة قبل الوداع، و لا رياح الخريف الحاملة للغبار في شوارعنا القذرة تتركك تنعم باحتضار القيظ. تغادر بيتك و أنت تزهو بثيابك الصيفيّة لكنّك قد تضطرّ إلى إفساد المشهد بفتح مطريّة و إلاّ فإنّ غيمة مفاجئة كفيلة بجعلك كالقطط المتشرّدة. عودة إلى المجهول، لا تعلم إن كان العام الدراسي سيمتدّ في أمن أم ستحتّم ظروف البلاد توقّف الدروس مرّة أو أكثر، و إن توقّفت فما حيلتك مع البرامج و الامتحانات و احتجاجات التلاميذ ... و أوليائهم المعتدلين و ماذا لو كانوا سلفيين. شارع مضطرب، قمامة، انتصاب فوضويّ، اكتظاظ و اقتراب 23 أكتوبر و ما سيتمخّض عنه.

شخوصها، ظاهرة غريبة نعيشها منذ سنوات قليلة و هي أنّه كلّما انتقل زميل أو تقاعد عوّضته محجّبة. و عليه، فقد تفاقم مشهد الرؤوس المغطّاة و " السّلام عليكم " بدل تحايانا التي اعتدنا صباحا مساء، و ازدادت الأعين المستهجنة لكلّ دعابة أو ضحكة أو سيجارة تشتعل ...
سأكتفي بهذا حديثا عن الأشخاص فالزملاء و الأصدقاء خصوصا هم من يخفف على المرء رتابة العودة. أمّا التلاميذ فعقول صغيرة و ضحايا ظروف و منظومة و واقع و ثقافة و مجتمع، لذلك أعفيهم من الكلمات.

أخيرا، نتمنّى لبعضنا كلّ سنة " عودة ميمونة " فهل من يُمن ؟ و إن كان موجودا فهل كنّا سندرك ما وصلنا إليه ؟ غدا نعود للتدريس و يعود تلاميذنا للدراسة لكنّ أبناء الجاليات الأجنبيّة في بلادنا لن يعودوا فقد أحرقت مدرستهم و نـُهبت و عائلاتهم تغادر البلاد.