jeudi 26 avril 2012

تدوينة تائهـة

أصحيح أنّ فاقد الشيء لا يعطيه؟ مقولة توارثناها في تسليم دون   نقد. لو كانت صحيحة فكيف أبدع الفنّانون روائعَ فسرَّوْا و سرُّوا و واقعُ حياتهم مأساة؟ ماذا نعرف عن حياة "فنّان الغلبة" و مَن "جميع الحروبات وفات إلاّ حربه هو و مرته" و الذي "عنده ولده يا حُضّار" و ذاك القائل " وشربتْ دمّ البلبل الفنّان"؟  و كيف كتب الشعراء أجمل قصائد الحريّة و هم في ظلام المعتقل؟ أيكون الحُلم؟
قال لي صديق منذ أيّام :" عودي إلى الكتابة ولاّدة، تلبّسيها كما الحُلم في منفى."  أجبتُ في قراري :" آه يا صديقي، لو تعلم كم أتوق إلى منفى حقيقي، تذكرة بلا عودة إلى المكان أو الزمان الذين أنا شقيّة بهما." عادة  ما نفضّل الاحتفاظ ممّن نحبّهم بصورة مشرقة قبل الوهن و المرض، بعضنا إذا ملّ تعاسة أيّامه استنجد بألبوم الصّور القديمة و أغرق في الطرب القديم حتّى ينفصم و يدخل المتحف. كنّا نسخر من أساتذتنا و آبائنا إذا هلعوا من زحف الفنّ الشعبي على التلفزة ، و من تردِّي الذوق العام في لغة الخطاب و الهندام و حتّى المعمار، و من نجوميّة بعض الرياضيين أكثر من الأدباء و مشاهير المثقفين إلى حدّ كان لقاءُ أحدهم أصعب من مقابلة وزير، أقصد وزيرا من العهد البورقيبي هههه و مَن لا يرى الفرق؟. نعم سخرنا من هلع الكبار و لم نكن نفهم سبب إحباطهم و لعنَهم "الدِّنيا الكلبة". اليوم صرنا نرى بعض القنوات التلفزيّة تستضيف المخدَّرين و المجرمين و نهَّابَ أموال الشعب و السَّفلة و الخونة و الدجّالين و الجهَلة، و نرى الشبابَ العاطل المهمَّش يُوعَد بصيف مظفَّر بحفلات الزواج يقوم بها عنه صندوق الزكاة، و يقفز للذاكرة مثلٌ تونسيّ سليط " مالقاش خبزة يلملمها باش يلقى عروسة يكلّمها" ، و نرى السّارقَ  ، القاتل يُؤمَّن على حقوقه و كرامته و عودته للبلاد و الصّادقَ يُهانُ و يُعنَّف و يُرمَى بالخيانة، و نرى العامّة عادت إلى تقبيل  
 أيادي أولي الأمر. و نرى ... فمن سيسخر من هلعنا كما سخرنا؟

ماذا يحدث؟ أين الاعوجاج؟ ما الخطأ؟ أم ما من خطأ؟ نحن المخضرمون فقط من يراه لأنّ تخطيئ الآخر سلطة ترسّبت فينا و أزعجنا أن نكون ضيوفا على واقع جديد من صنع غيرنا. بئس التخطيئ ثقافة و منهج تفكير، لا يختلف عن التحريم و التكفير، كلاهما إلغاء للاختلاف باسم القيم و الموروث، لو كان الموروث سليما لكنّا أقدر على التفاعل و التأقلم. في زمن أسّس فيه الغربُ لحريّاته بمبدإ " دعه يفعل دعه يمرّ" أسّس المسلمون لدكتاتوريّتهم بمبدإ " المارق عن السلطان كافر" و "من مات و ليس في رقبته بيعة لإمام مات ميتة جاهليّة" و منّي على الديمقراطيّة السّلام.  

samedi 21 avril 2012

لا نعتذر عن هذا الانقطاع

كم منّا ابتدأ أمرا و أتمّه إلى نهايته؟ في الدراسة و الزواج و التحمّس لمشاريع المهنة و الشغف بالهوايات، حتّى العلاقات تلك العابرة و المواعيد ... ما إن ينتصف الطريق حتّى يتوقـّف و هو في الأوج ... ينتظره الآخرون و لا ينطلي عليهم الغياب، قليل منهم يستفسرونه و أغلبُهم لا يتوسّلونه عودة، الغريب أنّ جميعهم منها واثقون إلاّ هو، تفزعه الرّتابة و تربكه النهايات، فيلزم ركنه المظلم يتسلّى بمشاهدة إرثه يتقاسمه الأصدقاء و الغرباء و لا تتحرّك منه شعرة واحدة لتقفز إلى الضوء و تقول " هذا لي "، يشاهد في برود و كفى، و لا نزاع بينه و بين عقله و القلب عن أيّ شيء سليب. لم يسلبه أحد، هو من نفر و فرّط و فرّ ... و ترك أركانا منه مبعثرة مشاعا لذا تراه في صلح مع نفسه فقد اختار لها  النّقص ، و كم يرضي غرورَه أيّ تغيير يحدث في غيابه ، يؤوّله تدنـّيا لا يليق بماضيه و تخيفه فكرة التأقلم من جديد فيُمعن في الابتعاد. أن يصير ذكرى أيقونة أفضل من أن يكون واقعا مملاّ. لعلـّه الجبن من الاستمرار و الهلع من الخاتمة، هذا جائز. لكنّ الانقطاع ممتع، و كم هي كثيرة المرافئ الجديدة.