mercredi 5 février 2014

رحيـــــــــل




فات الأوان. لقد مات، ببطئ كما تموت الشجرة. تشحب أوراقـُها ثمّ تصفرّ ثمّ تبدأ في التساقط تناوبـًا دون عجلة، لكنّك تظلّ تسقيها.. عزاؤك شبهُ اخضرار في بعض الأوراق و ظنٌّ مُريحٌ يعزو حالتَها إلى عوامل الفصل أو رداءة الماء رغم جزعك الهادئ الذي تشقى بكتمانه. تماما كما تهلع في الأيّام الأولى و أنت تزيل عن مشطك بعض شعرك المتساقط، هلعٌ يتبدّد بمجرّد إلقاء نظرة في المرآة على شعرك. إنّه هنا، لا داعي للقلق. كذا تخرج للحديقة كلّ صباح لترى شجرتك منتصبة، تتأمّلها.. تفتقد أزهارها، لكنّها لا تزهر. و بمرور الوقت تكتفي بوجودها على شحوبها.. على عجزها، المهمّ أنّها تزيّن حديقة بيتك، حتّى يكون يوم يرسخ لديك أنّها ميتة لا حياة فيها. لا فجأة في موتها و لا صدمة بل رحيل بارد موحش كئيب.
كذا مات حُلمي، ناورَني بقاؤه رغم عِلل ما فتئت تصيبه فتهدّه و تهدّني معه.. كلّ محاولاتي اليائسة لإنعاشه كانت عبثا، كنت أظنّ الزمنَ حليفي فإذا به أوّل الخوَنة. حُلمٌ مورِقٌ مُزهِرٌ مُغدِق رافقني منذ الصّبا يطفو و يرسب، يضطرم و يخبو لكنّه لم يفارق أبدا قراري، حُلمٌ أن أكون من أريد. رحل و ترك بعضي إلى بعض. ما عساه يفعل الإنسانُ إذا كان لا يرغب في الأيّام الشقيّة الباقية؟ أيغرق في خَدَر الذكريات حتّى لا يشعر برداءة الواقع، تماما كما يثمل بعضُهم كي لا يعاني ألم الاحتضار؟
وهمٌ ماكرٌ يحدّثني بأنّ حلمي خلّف في بعضي جنينا قد ينمو، أيمكن أن يحدث هذا؟ هل سأقدر مجدّدا على الأمل و الانتظار؟ لن أحتمل خيبات أخرى. خرجتُ إلى حديقتي صباح اليوم، السّماء غائمة غائبة النّور، لمحتُ بياضا منفردا يتألّق وسط القتامة.. كانت حبّة ياسمين تفتّقت في قلب الشّتاء. لا أدري لماذا فرحتُ، لكنّي أهديتُها و لم أحتفظ بها. ماذا تـُجدِي حبّة ياسمين في مواجهة سيول الدّماء و الأخبار الزّائفة و الدّمامة و القمامة و الرّداءة و الكذب و الإحباط؟
 إن كان لابدّ أن أنحدر فأنا أفضّل اليأسَ على الغباء.