samedi 26 mai 2012

دار الفلك من بعد طول العِشرة


نعرف الّي دنيتي قاعدة تتسرسب من بين يديّ و الّي مديدة  أخرى ماعاد يقعد منها كان حفنة تصاور و بعض البوبينات بالغبرة في أرشيف التلفزة و حيوط خايخة خارجة من تحتهم ريحة السَّرب و بيبان قشّرتهم الشمس و الشتا و يدين الهوير. هذاك علاش حبّيت نكتب دنيتي بكلماتي و بدموع العين، و قبل ما ياكلنا الحافر نخلّي شهادة للجايين



هذه تونس الّي عرفتها و حبّيتها  


الدار العربي و بابها بالقبجة و الكذال، الرخام و نقشة حديدة ، البير و الماجن، السقيفة و وسط الدّار و العلي، الشبابك بالقنّاريّة، القبوّ و المقاصر و السدّة، محابس الحبق و قفص الكنالو معلّق، ياسمينة مديّحة كي تهبّ عليها النسمة في عشيّة صيف الحجر يعشق، ماكينة الغنا في قاع البيت تخرخش و من بعد يصفى الصوت و تولعج حبيبة مسيكة ، كواتروات رجال الدّار، في شوكة وسط الدار منشر النواصر قاعد يبرد مالقايلة قبل ما تتحطّ في القزدريّة و تتخبّى، في بيت المونة شكاك الثوم و الشريحة و القناويّة و الفلفل الشايح و خوابي القدّيد و زيت الزيتونة و الانشوّة و الزيتون و الليمون و حكك الدبابش و قزادر الكسكسي و المحمّص المزلوقة و البرغل و الحلالم و دبابز الهروس و القسطل و الفاكية و الفـّاحات، كلّ شيء مرصّف في بقعته. الزنقة بالزّرص و سفساري الحرير و الكرّوسة، الحمّام و ريحة الطفَل و البردقانة، و نكتة الحرقوص على خدّ المزيانة، الحلفاوين و باب سويقة التاكسي بيبي و بيّاع التكوة و زنقة الكبدة و باب الخضرا و سيدي محرز و التبّانين و باب العسل و سيدي البحري و باردو و باب بحر و النواوريّة و الترينو الابيض و حلق الواد و صلامبو و قرطاج و سيدي بوسعيد و المرسى، البريك و البنبلوني و قازوز السّيدر و العومة في الفجر و صالة الاسيندا و سهريات الشتاء و عشويات الصيف، اللّعب و الضحك و الهيجة و الدّبَر و عمايل الغشاشر المشومة و كورة الكلاسط، البلفدير و دار العجايب و دار الحوت، جمِع سيدي بلحسن و السلاميّة و النّبيتة  و رديف البنادر، الجبّة و الشاشية و الكشطة الخضرا ، المشايخ وجوههم باشرة رطبة و ريحتهم بالكونوليا... جا المكتب و بدا الغرام و تحلّت دنيا جديدة، الكرطابة و المنديلة، الجفـّاف و المحبرة و البلومة بظفرها السوري و ظفرها العربي، المقلمة اللوح و الطباشير و اللوحة و قلمّات الزيّانة و الصلصال و الاقراص و الاعواد و النقود المزيّفة، السحّار و تنبري العصا البيضا، جزء "عَمَّ " و قصص لامارتين و نصوص جبران و شعر الشابي، الحساب الدمغي، الخطيّة، و الكَرني و الجوايز، نتيجة السيزيام في الجرايد و الناس جاية تهنّي بدبابز الروزاطا و باكوات السكّر و التاي و بسكويت "طوم". جَمعتنا حكايات العروي، والبلاغات المحليّة و بوديدح والفريق القومي كي يلعب لبرّة و مظلـّة البشير المنّوبي، الرياحي و الجويني و صليحة و نعمة و عليّة و الجموسي و التميمي و القلال و مصطفى الشرفي، جمعنا صوت عبد الحليم و غنايات فيروز في الرّاديو كلّ صباح، جمعتنا بياف و برال و براسانس و أزنفور و غيرهم، جمعنا مسلسل "الحاج كلوف" و "امّي تراكي" و "كمّوشة"، سُفرة رمضان، حوايج العيد الّي ما نفطنوش وقتاش تشراو، المَهبَة و الدراجح و الدورة على ديار العايلة، و في كلّ دار يغصّبو عليك الحلوّ ماكانش يتغشّشو، و يتختم النهار بواحد منّا مكدّر، وجهه ملخلخ، عنده غرض الردّان و لاخر لعبته تكسّرت و ماباتش عليها ليل، و لاخر فـَيَّا مهبته و شرى بيها بسكويت في نهار عيد و الديار باش تبرك بالحلوّ، و النّاس الكلّ تضحك عالنّاس الكلّ و نرقدو وحنا نحلمو بغدوة. كبرنا و تغرمنا بافكار جديدة ماليمين لليسار و هجنا بالقراية، في الجامعة الميني جوب بجنب اللحيّ و الدساترة و القوميين و الناصريين و الشيوعيين، كلّ مرّة الطريحة ترصّي عند جماعة، و كان يعجبنا منظر الشوارع مستّفة بالبوليسيّة و الكيران مقصوصة علينا و البلاد محيّرة، لكن الغنا و السينما و السّكرة و القهاوي و الجوامع موجودين و العيشة في العايلة ما تتغيّرش، و "الزّعيم" مايتمسّش...

تونس الّي ما عقلتهاش و ما نحبّهاش


الوسخ و الوجوه المغوّفة و الكونوليا المضروبة، لباس الشلايك في الشارع، و الحوايج المكمّشة، النيلون و البلاستيك و العيريّة، التقوعير و السلبيّة، الرّاس المطبّس و العين الذليلة و الترهدين، القباحة و سبّان الدين و الكلام الزايد و الوسخ، براوط العضم المروّب و الفول الطايب و الكسكروتات بجنب اكوام الزبلة، المجاري الفايضة، الفريب، الملاوي، الهمّاجية، النّصُب و الوسخ، الزطلة، ضرب التاليفون العمومي بالبونية و المشطة باش يرجّع الباقي، السّبادري نهار العيد، راجل يسبّ مرته في الشارع، مرا تفوح في راجلها في الشارع زادة، صغار يبيعو في الشكلي في المحطات، تكسير الملاعب و الترينوات، البراكجات، بيّاعة الكاساتات و الغنا العالي، المكتبات الفارغة، التصفير في حفلات الطرب، الجرايد المعبّية بالتصاور، طواول القسم المكسّرة، بيبان المدينة الّي تعلقت عليها سلعة ليبيا، و الوسخ، التلامذة القالقين و الّي يضحكو عالقراية، دروس التدارك، الباكلوريا غير ربع، اللـّـحيّ و الجلابب و الخمار و عطر الموتى، الجهل و العقول الّي تفنى عالخرافة، و الوسخ، العرّافات، الفتاوي، السّلاح الابيض و السلاح الحيّ، القنوات الوطنيّة و الّي موش وطنيّة، الكذب، تجّار الدين، الوجوه المكشبرة و السنّين الصّفر، و الكيران الصّفر زادة و الوسخ، السّرقة و القلبة و الغدر و قلّة المعروف و نكران الجميل، البنوك و فاتورات الضوّ، الديار الواقفين عالياجور من غير ليقة، و الديار الواقفين عالليقة من غير تبييض، المساكن الشعبيّة الّي صحابها يحلمو يردّوها فيلات و يزيدو يضيّقوها، الكيّاسات المحفـّـرة و الوسخ، إمام الجامع الّي يبكي في الخطبة، المواطن الّي كيف يرى كاميرا يلقّي لها وجهه، الطبيب الّي يكلّمك بالنّطرة، الهنا و الغيار و الاستدعاء بالتاليفون، العبد الّي أنت تكلّم فيه و هو لاهي يلعب بجوّاله، الشخص الّي تتناقش معاه يقلّك " أنت ماكش فاهم" و الّي كي تفسّر له يقصّ عليك بكلمة "نعرف"، الزويّ المعبّية بالبنات الّي يحبّو يعرّسو، النّاس الّي ماعادش يحلّو كتاب، الناس الّي يحلفو بالكذب و ما طلب منهم حدّ باش يحلفو، عقليّة " أخطى راسي و اضرب، و يستاهلو، و نشا الله تخلى..." العنف و الحرايق و التكسير و العياط و العرك و عبد يكلمك في الشارع و هو ما يعرفكش، و الوسخ

dimanche 20 mai 2012

وصيّة بائع البقدونس إلى ولده


إلى من أتعبنا و أشقانا بكلمة " السَّلـَف"  هذه صفحة من تاريخ السّلف انتقيت منها وصيّة الخليفة أبي جعفر المنصور لابنه المهدي و هذا مقطع منها و هو في نظري الأهمّ
...
و إيّاكَ و الأثرَة و التبذير لأموال الرعيّة، و اشحن الثغور و اضبط الأطراف، و أمِّن السُّبُل، و سَـكِّن العامّة، و أدخِل المَرافق عليهم، و ادفع المَكارهَ عنهم، و أعِـدَّ الأموال و اخزنها، و إيّاكَ و التبذيرَ فإنّ النّوائبَ غيرُ مأمونة و هي من شيَم الزّمان
و أعِـدَّ الرّجالَ و الجندَ ما استطعتَ، و إيّاكَ و تأخير عمل اليوم إلى الغد، فتتدارك عليك الأمورُ و تضيع، جِـدَّ في إحكام الأمور النّازلات لأوقاتها أوّلا فأوّلا و اجتهد و شمِّر فيها، و أعِـدَّ رجالا باللّيل لمعرفة ما يكون بالنّهار، و رجالا بالنهار لمعرفة ما يكون بالليل، و باشِر الأمورَ بنفسك، و لا تضجَر و لا تكسَل، و استعمل حُسنَ الظنّ بربّك، و أسِـئ الظنّ بعُمّالكَ و كـُتـَّابك، و تفقـَّد من تـُثبت على بابك، و سَهِّل إذنَـك للنّاس، و انظر في أمر النـُّـزّاع إليك و وَكِّل بهم عينا غير نائمة و نفسًا غيرَ لاهية، و لا تـَـنَمْ و إيّاك، فإنّ أباكَ لم يَنَمْ منذ ولِيَ الخلافة و لا دخل عينَه الغمضُ إلاّ و قلبُه مستيقظ. هذه وصيّتي إليك و الله خليفتي عليك.
                          
عن " الكامل في التاريخ" لابن الأثير

لن أتخيّل في المقابل ما يمكن أن يوصي بائعُ البقدونس إبنَه ، أترك لكم شحذ مخيّلتكم. و لو أنّ واقع الأمور يغني عن كلّ خيال

vendredi 18 mai 2012

في الذكرى 964 لعمر الخيّام

قبر الشاعر الفيلسوف عمر الخيّام

كلّما قلنا عمر الخيّام ردّدنا بضعة أبيات من رباعيّاته الشهيرة.  لن أعرّف بهذه القامة العلميّة في الرياضيات و علم الفلك فمثل تلك   المعلومات متاحة في الكتب لمن لا يزال لديه صبر على  القراءة  و في المواقع الالكترونيّة لمن ينشد السرعة. و لكنّي أريد في هذه التدوينة أن أنشر إحدى القصائد البديعة لعمر الخيّام ، و بدون تقديم هذا نصّها
كُلُّذَرَّاتِ هذهِ الأرْضِ كانَتْ أَوْجُهاً كَالشُّمُوسِ ذاتَ بَهَاءِ
أُجْلُ عَنْ وَجْهِكَ الغُبَارَ بِرِفْقٍ فَهْوَ خَذٌّ لِكَاعِبٍ حَسْنَاءِ
إِنَّ رُوحاً مِنْ عَالَمِ الطُّهْرِ جَاءَتْ لَكَ ضَيْفاً مَا التَاثَ بِالغَبْرَاءِ
إِسْقِها أَكْؤُسَ الصَّبوحِ صَباحاً قَبْلَ تَوْدِيعِهَا أَوَانَ المَسَاءِ
منْ تَحرَّى حَقِيقَةَ الدَّهْرِ أضْحَى عِنْدَهُ الحُزْنُ وَالسُرُورُ سَواءَ
إِنْ يَكُنْ حَادِثُ الزَّمَانِ سَيَفْنى فَلْيَكُنْ كُلُّهُ أَسىً أَوْ هناءَ
قالَتِ الْوَرْدَةُ لاَ خدَّ كَخَدِّي في البَهاءِ

فَإِلى مَ الظلْمُ مِمَّنْ يَبْتَغِي عَصْراً لِمَائِي
فأَجَابَ البُلْبُلُ الغِ رِّيدُ فِي لَحْنِ الغِنَاءِ
منْ يَكُنْ يَضْحَكُ يَوْمَاً يَقْضِ حَوْلاً بِالبُكَاءِ
لَيْسَ يُدْرَى بِمَنْطَقٍ وَقِيَاسٍ أَيَّ وَقْتٍ دَارَتْ بِهِ الزَّرْقَاءُ
أَوْ مَتى تُصْبِحُ السَّمَاءُ خَرَاباً فَتَدَاعَتْ وَانْهَدَّ مِنْهَا البِنَاءُ
دَعْ عَنْكَ حِرْصَ الوُجُودِ وَاهْنَأْ إِنْ أَحْسَنَ الدَّهْرُ أَوْ أَسَاءَ
وَاعْبَثْ بِشَعْرِ الحَبِيبِ وَاشْرَبْ فَالْعُمْرُ يَمْضِي غَداً هبَاءَ
إِنْ تَوَاعَدْتُمُ رِفاقِي لأُنْسٍ وَسَعِدْتُمُ بِالغَادَةِ الهَيْفَاءِ
وَأدَارَ السَاقِي كُؤُوسَ الحُمَيَّا فَاذْكُرُونِي فِي شُرْبِهَا بِالدُّعَاءِإِنْ تَلاقَيْتُمُ أَخِلايَ يَوْماً فَأَطِيلُوا ذِكْرَايَ عِنْدَ اللِّقَاءِ
وَإِذا مَا أَتَى لَدَى الشُّرْبِ دَوْرِي فَأَرِيقُوا كَأْسِي علَى الغَبْرَاءِ
إِنْ كُنْتَ لا تَفْنَى سِوَى مرَّةٍ فَافْنَ وَدَعْ هَذَا الأَسَى وَالشَّقَاءْ
وَكُنْ كَأَنْ لَمْ تَحْوِ ذَا الجِلْدَ أَوْ ذَا الدَّمَ وَاللَّحْمَ وَخَلِّ العَنَاءْ
قَدْ خَاطَبَ السَّمَكُ الأَوُزَّ مُنَادِياً سَيَعُودُ مَاءُ النَّهْرِ فَاصْفُ هَنَاءَ
فَأَجَابَ إِنْ نُصْبِحْ شِواءً فَلْتَكُ ال دُّنْيَا سَرَاباً بَعْدَنا أَو مَاءَ
مَا الكُونُ دَارُ إِقامَةٍ فَأَخُو النُهى أَوْلَى بِهِ أَنْ يُدْمِنَ الصَّهْباءَ
أَطْفِئْ بِمَاءِ الْكَرْمِ نِيرَانَ الأَسَى فَلَسَوْفَ تَذْهَبُ فِي الهَوَاءِ هَبَاءَ
طَالَ كَهَمِيّ عُمُرُ الْحَبِيبِ فَقَدْ أَوْلانِيَ الْيَوْمَ خَيْرَ نَعْمَاءِإِنْ تَلاقَيْتُمُ أَخِلايَ يَوْماً فَأَطِيلُوا ذِكْرَايَ عِنْدَ اللِّقَاءِ
وَإِذا مَا أَتَى لَدَى الشُّرْبِ دَوْرِي فَأَرِيقُوا كَأْسِي علَى الغَبْرَاءِ
إِنْ كُنْتَ لا تَفْنَى سِوَى مرَّةٍ فَافْنَ وَدَعْ هَذَا الأَسَى وَالشَّقَاءْ
وَكُنْ كَأَنْ لَمْ تَحْوِ ذَا الجِلْدَ أَوْ ذَا الدَّمَ وَاللَّحْمَ وَخَلِّ العَنَاءْ
قَدْ خَاطَبَ السَّمَكُ الأَوُزَّ مُنَادِياً سَيَعُودُ مَاءُ النَّهْرِ فَاصْفُ هَنَاءَ
فَأَجَابَ إِنْ نُصْبِحْ شِواءً فَلْتَكُ ال دُّنْيَا سَرَاباً بَعْدَنا أَو مَاءَ
مَا الكُونُ دَارُ إِقامَةٍ فَأَخُو النُهى أَوْلَى بِهِ أَنْ يُدْمِنَ الصَّهْباءَ
أَطْفِئْ بِمَاءِ الْكَرْمِ نِيرَانَ الأَسَى فَلَسَوْفَ تَذْهَبُ فِي الهَوَاءِ هَبَاءَ
طَالَ كَهَمِيّ عُمُرُ الْحَبِيبِ فَقَدْ أَوْلانِيَ الْيَوْمَ خَيْرَ نَعْمَاءِ



فَقَدْ رَنَا لِي وَمَرَّ يُومِئُ أَنْ: "أَحْسِنْ وَأَلْقِ الإِحْسَانَ فِي الْمَاءِ"
إِخْتَرْ بِدَهْرِكَ قِلَّةَ الرُّفَقَاءِ وَاصْحَبْ بَنِيهِ وَأَنتَ عَنْهُمْ نَاءِ
فَمَنْ اعْتَمَدْتَ عَلَيْهِ إِنْ تَنْظُرْهُ فِي عَيْنِ الْبَصِيرَةِ أَعْظَمُ الأَعْدَاءِ
لاتَنْظُرَنَّ إِلَى الْفَتَى وَفُنُونِهِ وَانْظُرْ لِحِفْظِ عُهُودِهِ وَوَفَائِهِ
فَإِذا رَأَيْتَ الْمَرْءَ قَامَ بِعَهْدِهِ فَاحْسِبْهُ فَاقَ الكُلَّ فِي عَلْيَائِه
لَقَدْ آنَ الصَّبُوحُ فَقُمْ حَبِيبِي وَهَاتِ الرَّاحَ وَاشْرَعْ بِالغِنَاءِ
فَكَمْ "جِمْشِيدَ أَرْدَى أَوْ" قُبَادٍ مَجِيءُ الْصَيْفِ أَوْ مَرُّ الشِّتاء
مَا شَهِدَ النَّارَ وَالْجِنَانَ فَتىً أَيُّ امْرِئٍ مِنْ هُنَاكَ قَدْ جَاء
لَمْ نَرَ مِمَّا نَرْجُو وَنَحْذَرُهُ إِلاَّ صِفَاتٍ تُحْكَى وَأَسْمَاءإِنْ تَجُدْ لِي بِالْعَفْوِ لَمْ أَخْشَ ذَنْباً أَوْ تَهَبْ لِي زَاداً أَمِنْتُ الْعَنَاءَ
أَوْ تُبَيِّضْ بِالْعَفْوِ وَجْهِي فَإِنِّي لَسْتُ أَخْشَى صَحِيفَتِي الْسَّوْدَاءَ


samedi 12 mai 2012

ميزيريا 9: بورتريه مسؤول فادد

 9 ميزيريـا 
بورتريه مسؤول فادد


البارح في الايّام كان كلّ صباح يسبّ القبيلة و التصيلة متاع ولاده باش يدزّو معاه الكركاسة الّي تنبّت له الشعر في لهاته حتّى يسخن موتورها و تخدم. و التسوميم خدّام من تحت لتحت بينه و بين مرته على شهريته الّي تسلـّو فيها بالفنتوز... فلقطتشي الزواولة مالدمّار، خرجوشي للشارع كي ماعاد بيها وين، خرجشي هو معاهم يعيّط من جملة من يعيّط، تحرّكتشي أسبابها و كلات بعضها، تلهاشي في هاك البوبلي و نسى يحجّم لحيته، جاتشي الانتخابات، مدّشي وجهه في اجتماع والا زوز و قطع يدين الحزازة أكثر من مّالي المول... أكاهو، رقد قام جاه تيليقرام " الرّجاء الحضور غدا في الخربة الفلانيّة لأمر يهمّكم" و يلقى روحه مسهول يضرب يصرع. هاك الخردة ولاّت سيّارة إداريّة و هاك الشهريّة حبلت و ولدت و زادت ولدت .. و زادت ولدت، و هاك الاولاد إلّي كان ياخذ في عشرة الاف مصروف ولّى طالب الزيادة و هاك المرا تفتّقت و هي النهار الكلّ تبلّ و ترشق عليه " هاي مرت المسؤول الفلاني خذات فيلا ترعب شبيها خير منّي ؟ و هاو المسؤول الفلتاني مرته تعمل في السهريّات و العشاوات و حطّت يدها على مشروع متاع ميزاب فلوس ياخي أنا مانضحّيشي؟ ماو تحرّك شويّة و شوف عَرفك فمّاشي ما نخلطو على حويجة ملّي يقسمو فيه..." و هات يا مرج. يسهر وذنيه واقفة كي قفـّة المرمّة يتبّع فالاخبار و عينيه عالتلفون يمشيشي يتقلب الطـُّرح عالجماعة الّي كبّش فيهم و ترصّيله على بَرّة، يخرّجولوشي دوسي محمّم قديم ناسيه و يتفضح؟ و يبدا مخّه يبربش بالكشي حرق مرّة الضو و هرب، بالكشي تعدّاله شيك بدون رصيد، بالكشي الفرخ ولده عمل عركة في المكتب و زرّق عين صاحبه، صوّروهشي مرّة و هو يصفـّق في اجتماع الشعبة في خدمته... ما يرقد كان وجوه الفجر. يقوم الصباح كرايمه مشكّلة ما فيه حتّى عظم صحيح كاينّه بايت يخدم في البالة و البيوش، مدقدق مهسهس مفولغ، وجهه مبجبج، يحلّ عينيه يلقى مرته قاعدة قدّام الكوافوز بدنها لكامت لكامت و راسها مرشـّق بكنافر الرولوات... يستعوذ مالشيطان و يقوم. وقت الّي يوصل لإدارته يلقى المعتصمين سادّين الباب. يقحرو، يعيّطو، يشيّرو عليه بيديهم و ما في فامهم كان كلمة ديقاج، كلّ يوم يدخل و يخرج بالبوليسيّة و الدزّان و السبّان فيه و في الكلاب. في بيروه الجديد ماهو فاهم شيء، قالو له هاك مسؤول لمكنتي ما عنده شيء، لا دوسيات، لا الخدمة ماشية، لا قدر لا هيبة، حتّى الموظفين إلّي ينطر و الّي يغيب كيما يظهر له، و الّي يتصرّف في معدّات الادارة بعين صحيحة، و الّي يصلّي و الّي يذن و الّي عامل اجتماع، و تدنـّى من هوني لغادي إضراب... و هو في وسطهم يجاوب عالتليفونات، مرّة عروفاته الكبار يندبو له بيد قطّوسة ميّتة، و مرّة تطلبه جريدة و إلاّ تلفزة باش يعطي حديث، ساعات يبلفطهم بكلمتين و ساعات يعتذر و يتسبّل بالخدمة، أما تلافز واما برامج، الراجل عقوبة الله في المسؤوليّة و جاته لقمة أكبر من فمّه يمشيشي يتهردز بكلمة تقوم عليها القيامة و تتلهى بيه الصّحاح... و هو في فمّ المدفع و في قلبه يسبّ في والدين النهار الّي خرج فيه للشارع يعيّط. نهار مالنهارات طلبته مذيعة مطروشة صغيرة، لسانها داير برقبتها مازالت مغرومة و شدّت فيه الباس، ماعاد بيها وين يلزمو يحضر في حوار تلفزي عالمباشر، شاور دزازة المشنّـقة عروفاته قالو له: إمشي و اعرف شتقول، مرته قالت له: وه بالطبيعة تمشي، خمّم يطلب المذيعة في الأسئلة الّي باش تطرحهم عليه.. خاف شكون يعرف وحدة فرططّو تمشيش تكشف له حاله و يمشي حنّة. قصد التلفزة عينيه محوّقة، حلقه مرّارة، قلبه يعصر، مالمان لقفوه لوّطو له وجهه بالفون تو تان، لبّدو له شعره بالكريمة... و هو في يديهم كعروسة الشوالق، قعد في الفوتاي قدّام المذيعة، نبّهته الّي هوما عالمباشر، شعلت الاضوا، بات الحسّ، أيا قدّمته و رحّبت بيه، هي قالت السؤال الاوّل و الرّاجل كان يعقل، تنفض من فوق الكرسي كشاكشه طلعت عينيه زعزت و بدا ينتّش في حوايجه و يعيّط : فدّيييييييييييييييييييييييييييت. و ما تسمع كان العيطة: كوبي، كوبي، كوبييييييي. 

jeudi 10 mai 2012

ميزيريا 8: واقعنا يشبهنا



فُـتِحت للعموم بمدينة باريس مغازة جديدة تبيع الأزواج لكلّ الرّاغبات في الحصول على زوج. و تتوسّط الباحة الرئيسيّة مُعَلـّقة بها بيانات موجزة حول نظام عمل المغازة هذا نصّها:

ـ يحقّ لكِ زيارة المغازة مرّة واحدة.
ـ المغازة تتكوّن من ستّة أدوار.
ـ تجدين في مدخل كلّ طابق خصالَ الرّجال المعروضين به.
ـ بإمكانك اقتناء زوج من الطابق الذي تحلّين به أو مواصلة الصعود.
ملاحظة: لا يمكنكِ التراجع نزولا إلاّ لمغادرة المبنَى.

دخلت امرأة المغازة بحثا عن زوج، وجدت في مدخل الطابق الأول إعلانا إشهاريّا كـُتِب فيه " هؤلاء الرجال لديهم عمل قارّ." في الطابق الثاني يقول الإعلان " هؤلاء الرجال لديهم عمل قارّ و يحبّون الأطفال." في الطابق الثالث قرأتْ في الإعلان " هؤلاء الرجال لديهم عمل قارّ و يحبّون الأطفال و يتميّزون بإطلالة جميلة." لم تستطع إخفاء إعجابها لكنّ الفضول دفعها لمواصلة الصعود إلى الطابق الرابع حيث كـُتِب " هؤلاء الرجال لديهم عمل قارّ و يحبّون الأطفال و يتميّزون بإطلالة جميلة و يساعدون في الأعمال المنزليّة." فهمست في انبهار " يا إلهي، لا أكاد أصدّق." و رغم ذلك صعدت إلى الطابق الخامس الذي يقول إعلانه " هؤلاء الرجال لديهم عمل قارّ و يحبّون الأطفال و يتميّزون بإطلالة جميلة و يساعدون في الأعمال المنزليّة و رومنسيّون." تردّدت بغية البقاء لكنّها استمرّت في الصعود. حين بلغت الطابق السادس قرأت على اللوحة الإشهاريّة " أنتِ الزائرة رقم 31456012 ، لا يوجد رجال هنا، هذا الطابق صُمِّم خصّيصا لنثبت لك أنّ إرضاء النّساء مُحال. شكرا على زيارتك مغازة الأزواج."

على الرّصيف المواجه في ذات الشارع فُـتِحت بعد مدّة مغازة تبيع الزوجات و تتألف هي الأخرى من ستّة طوابق. كـُتِب في الطابق الأوّل " نساء يرغبن في الجنس." و في الطابق الثاني " نساء يرغبن في الجنس و يطبخن جيّدا."
الطوابق الثالث و الرابع و الخامس و السادس لم يزرها أحد.

من كان قذرا لا يطمح في حكومة نظيفة و من كان فاسدا لا ينقد قضاء فاسدا و من كانت اللصوصيّة و رغبة الاستحواذ تجري في عروقه فلا يأمل في مسؤولين عفيفة نفوسهم و أيديهم و من كان يدّعي التقدّميّة لا يولـِّي عليه رجعيّا و من كان ينشد الحقيقة لا ينتظرها ممّن يبيع الوهم... و من كان ناقصا فلييأس من البحث عن الكمال في غيره. و العكس صحيح.
هذا الكلام ليس روح الطّرفة فالفرنسيّون أقلعوا منذ قرون عن استخلاص العبر من طرائفهم أمّا بعضنا فتوقّف قبل لافونتان بكثير – ربّما مازال لم يسمع به - لأنّه بعدُ لم ينته من أمجاد السّلف متعدّد العبقريّات.

lundi 7 mai 2012

لعنة الهويّة

أفاق صباحا بإحساس غريب لا يشبه الصباحات التي ينهض فيها متوعّكا، تمطّى، طرطق عظام رقبته باحثا عن ألم فلم يجد، لا شيء يؤلمه لكنّه يشعر أنّ بجسده أمرا. أسرع إلى غرفة الاستحمام، استسلم إلى دفق الماء الدّافئ و أغمض عينيه، بالغ في رغوة الصابون حتّى انتابه عطاس، تألّب عليه البخار فتحوّط بمنشفة و خرج نشيطا ، غير أنّ الإحساس الذي نهض به لم يتغيّر. نفس الإحساس الغريب المربِك. حاول أن يسترجع سهرة الأمس فقصرت الذاكرة عن كلّ حدث و كأنّ الزمن بدأ هذا الصباح، حاول و استمات في المحاولة لكنّه لم يعد يذكر شيئا من تفاصيل حياته الماضية، لم يعد يعرف إلاّ هذا الشخص الحائر أمام مرآة غرفة النّوم. وقعت المنشفة أرضا فرأى جسده في المرآة، أطلق صرخة فزع و سقط يتلمّس بطنه. أين ذهبت صرّته؟ أيعقل أنّه وُلد بدون صرّة؟ فكيف وُلد إذن؟ أيقصد طبيا؟ سيخضعه لفحوصه المملّة، سيوثقونه إلى طاولة تجاربهم البائسة، لن يسمحوا له بالرّحيل، و سيرسلون في طلب الأجانب، غدا تتناقل المحطّات صوره و سيُجبَر على الوقوف عاريا أمام عدساتهم الوقحة... هل يلجأ إلى رجل دين و يطلب منه الأمان و المساعدة ؟ سيستعيذ منه رجال الدين، سيقولون إنّه مَسخٌ من عمل إبليس، قد يقتلونه أو يحرقونه ... قد يتلقفه بعض الشواذ أو عبدة الشيطان، قد يقدّسونه و يعبدونه، سيقولون إنّه هو الأوّل، هو الأب الصّانع، سيُثقلون حياته بالنّذور و الطقوس و التعاويذ، لن يُسمَح له بالخطإ البريء، سيُجبَر على البطش و لذة الأذى...
ما الحلّ؟   كيف سيعرف ؟ متى يستريح ؟
من هو ؟  ما جنسه ؟

...

الشعب.