samedi 25 septembre 2010

مـيزيــريــا 4 : مُــثَـقَّــف ... حتّى يـصُـبُّــو

عينين ضيّقين ورا مرايات نظر بلاّرهم قزاز مشريّين بدينارين من نَصبة في باب دزيرة ، غوفة تشبّه للّحية نابتة كالشّوك في وجهه ، مارسَياز فوق راسه صيف و شتا و عكّاز في يدّه رغم الّي يظهر ما يفوتش الثلاثين سنة / الله يهديك يا توفيق الحكيم وْخَيْ /.. من صباح ربّي و هو شادد طاولة عالمادَّة في قهوة من قهاوي لافنو قدّامُه صْبُعْ كابوسان في قعمورة كاس و هو يبشّق في الماشي و الجايْ و ساعة ساعة يخنتب كلمتين على ورقة و يعصر في روحه و يتغصور كايِنّه عنده القبض ، قعدت ناس و مشات ناس و جات ناس اخرين و هو في كرسيه و هاك عقاب القهوة قدّامه و الطقطوقة تفغم ببّانِتْ دًخّان مْنِدِّي من سوق ليبيا .

مع بْدُو العشيّة جاه القرصون " خويا ، خلّصني في القهوة . "

غزَرْله ، هزّه .. حطّه ، و قالّه : " علاش ؟ ياخي القهوة باش تسكّر ؟ "

ـ لا خويا القهوة محلولة أما أنا كمّلتْ سرفيسي و يلزمني نحاسب عَرفي .

ـ أيْ برّا حاسب شكون شدّك ، شنوّا هالتخلّف هذا ؟ ما في بالكش الّي الحريف مَلَك و إلاّ ما قرّاوهالكش هذه ؟

ـ يا سيدي أنا ما قريتش ، عقوبة الله ، خلّيتلكم القراية ، و اقعُد أنت مَلكْ ربّي يزيدك أما أنا صانع نِسْلتْ علِّي خلاّني ، خلّصني يرحم والديك .

ـ آآآه أما أنت قليل تربية ياسر ، ماكش عارف مع شكون تتكلّم ، أنا متـثَـقَّف ما نضيّعش وقتي مع وبْش كيفك ، برّا ناديلي لعَرفك .

ـ هههه متثقّف ؟ متثقّف على روحك موش عليّ أنا ، خلّصني قالُّه متثقّف ، شوف هاك الحبيب ميغالو الّي نحكي معاه .

قامتْ خوضة و فكّ ايدي من شوشتك هذاك يقول " كيفاش تطيّحلي قدري و أنا من النّخبة الّي قايمة عليها ثقافة البلاد ؟ " و لاخر يقلّه" خلّص القهوة الّي شربتها و من بعد قيّم الدنيا و إلاّ قعّدها هذيكة أمورك . "و مولى القهوة كشاكشه طالعة و هو يسبّ في من كان آسطة و سبب في هالخدمة الكلبة ، في النّهار لازم ثلاثة أربعة يشربو قهاويهم هناني بناني و قيّد على إنسان مهمّ قايمة عليه البلاد .. أي هوما هكّاكة و جَا واحد من اصحاب السيّد خلّص عليه القهوة باش قَصّ الصّدَع و مَنّعُه من هاك الخَنّاقيّة ، و تلفّت قالّه : " بالله آش قاعد تعمل هنا ، توّا اليوم نهار فصعَة مالخدمة ؟ كَركِرْ على طول الشهر لا مِن يرُدّك إلاّ اليوم يا راس اللّحم ، ما في بالكش الشهارِي تصبّو ؟ و سمعت زادة فمّة تفتوفة متاع إنتاجيّة جاية هالنّهارين ، برَّا وَرِّي وجهك و اكتب كلمتين على مهرجان و إلاّ بربش حكاية على مسرحيّة والا فنّان ، و إلاّ برّا افرز طرف مقالات قدُم و خوذ من كلّ واحد شويّة و زيد لغّمهم بتْناوِش على العولمة والا التطبيع ، تحرّك . "

أيْ أكاهو ، لاخر مهبولة و زغرطولها في وذنها ، من حينه يجري للبانكا ساقيه أعلى من راسه ، يجبد الحثيّلة الّي فضلت بعد ما تقضمر قصاص القرض الّي ماخذه باش يشري برتمان أكبر شويّة من حُكّة الوقيد ، مَرْتُه قالت له لازم نضمنو قبر الحيا ، قاللها وقتها " يابنتي كيف نموتو ، الّي قعد حيّ يدكّنا في قبر بالسّيف عليه ياخي باش يخلّيونا ملوّحين جيفة ؟ أما أنا مازلت حيّ نرزق و نعمل في قبَرْ علاش ؟ " قاتله " ما نفهم شيء ، توّا نخلّيك مالا الّي جايبه النّهار مِدِّيه اللّيل . " و تسبّبت له في خنّاقيّة على عشرين سنة ، حَقّ السيقارو ساعات يحير فيه .

حَطّ الحنيّنات في مكتوبه و من حينُه لشارع كرتاج ، شرَى زادُه  و زوّادُه و هبط دبّة دبّة لباب الفلّة ، طَلِّعْ الستيلوات الّي في مكتوب فيستُّه باش يظهرو خير ، هاك العكّاز في يدّه يْدادِي بيه   و في اليد لخرى ساكْ تقربع ، وقف على بيّاع غلّة و قالّه هكّة كيف الّي ما عينوش : " بقدّاش النّبَقْ ؟ " البيّاع كان يعقل ، هزّه   و حطّه كيفاش مخَبّل في بعضه و قالّه : " خويا ما نبيعوش للمتثقّفين . " الرّاجل بهِتْ ، لا عرَف يتغشّش و إلاّ يفرح و قالّه " ياخي عرفتني شكون ؟ لازم شفتني قبل في التلفزة . " نتِّشْ البيّاع عُرف النّعناع الّي كان مرشوق فوق وذنه و مضغُه بين زروصُه بالغنزريّة و جاوبه : " لا لَعْزيزْ من غير محقرانيّة ،أوّل مرّة نشوفك . " زاد صاحبنا بهتْ و قال " ما لا كيفاش عرفتْ إلّي أنا متثقّف ؟ " قالّه : " على خاطر الّي قدّامك موش نْـبَقْ ، هذاك حاشاك مِالسَّـوْ يقولو له حَبّ المْلوكْ . "

mercredi 22 septembre 2010

هـــــــــذيـــــــــان


المشربُ ليس بعيدا ؟

ما جدوى ذلك .. فأنتَ كالإسفنجة تمتصّ الحانات

و لا تسكر

و أنا يقتلني نصفُ الدّفء .. و نصفُ الموقف

و الدّينُ الكاذِب .. و الفِكرُ الكاذِب

فالبعضُ يُدافع عن كلّ قضايا الأرض .. و يهرب

من وجه قضيّته

المشرَبُ غَـصَّ بجيل لا تعرفه .. بلغةٍ لا تفهمها

بثقوب ترمقك من أسفل و لا تتسلّق قامتَك .. فرارًا 

من عينيك

بعد الكأس السّادسة تصير الشفاهُ المترهّلةُ مناقير .. و يستحيل

الأنصافُ غِيلانا مُثـقَّـفة .. تتجـشَّـأ .. فيعلو لها

تصفيق

طاولاتُ المشرب أخشابٌ باردة

هذه للخمر .. و تلك لصنع نعش .. و أخرى

للإعلان عن مولد فنّان

املأ كأسي .. فما يُدريكَ ما يُسكِرُني ..

يُسكِرُني أصغرُ شيء في هذا الكون

فكيف بشبه إنسان .. يخلط بين الإبداع

و الهذيان

samedi 18 septembre 2010

مـــومِــــــــس الثّـــقــافــة

تــؤثّثُ الجدرانَ لوحاتٌ تشكيليّة لرسّام عاش مُعدما مغمورا و لم يحصل على عنقوده إلاّ بعد أن قضى نحبه ـ احتراما لصدق الرّؤيا ـ .. بهوٌ ضيّق يحتلّه معرض للأواني القديمة و القطع الفنيّة النّادرة .. نغمٌ أصيلٌ ينبعث في فضاء المكان يُـثقل الرّؤوس        و يُحرّر ما وعَدَه النّبيذ .. أصواتٌ متحشرجة ثملة تشدو بلحن ملتزم .. مسرحيّون و أدباء في نقاشات محتدمة ، مشهد تمثيليّ دون ركح أو تذاكر .. شاعرٌ يجلس وحيدا هناك إلى طاولة في الرّكن وحيدة يحتسي كأسا تعدّدتْ في وحدتها القوارير .. تعلو حوارات عن واقع الثقافة ..



و الخمرُ تسخر ...



" هذا مطعم المثقّـفين كما يروق للبعض تسميته . " يستطرد مُخاطِبي . فلا أفهم كيف لهذا المكان أن يسَعَ المثقفين إذا اجتمعوا أم تراهم لا يفعلون ، و لماذا لا يرتاده إلاّ المثقفون ؟ ألا حقَّ فيه لكلّ عَييٍّ ساذج داخل في الرّعاع ؟ أنتبه إلى ثـقبٍ أسْودَ في منديلي ، لا شكّ أنّ سيجارة أحدهم سفّهتْ بياضَه .. لا أطلب من النّادل تغييره و أثني المنديل أخفي الثقب و أحفظ للثقافة هيبتَها .. يبوءُ مسعايَ بالفشل حين يضع النادل أمامي كأسا مشروخة ، فأوقنُ أنّه مطعم المثـقفين .. عقارب الساعة الحائطيّة تُـنبئ بزحف المساء على المدينة و لا أحد يهتـمّ .. شرذمة المنبوذين من عالم الصّحْو لا يزالون بين كأس و حوار .. لا همسَ ، لا عُشّاق .. لا عيون تسترق من الزمن نظرة حالمة .. لا أيدي تتشابك في رعشة وعد ..



و الخمرُ تلعن ...



فجأة ينفتح البابُ عن سيّدة في إثرها أخرى فتستيقظ العيونُ        و تستدير الرِّقاب .. تتقدّمان دون ترحيب من النادل و تنتبذان طاولة قصيّة . الأولى ، كرَّ عليها خيلُ الزمن فأحرق و دمّر       و نهب و لم يُخلّف سوى التجاعيد و هيكلا يبابا ، و الثانية ربيعٌ لا زهرَ فيه .. وجهٌ شاحب و جسد صامت يلفّه ثوبٌ بسيط .. تتركّز عليهما الأنظار و يخفتُ الصّخب ، و أضيق بالعقل الشرقيّ لا يزال يعجب لموعد بين امرأتين في مكان عامّ و يحوك حوله المشبوه . يهمس مخاطِبي و قد أدرك ثورتي " لا تلتفتي .. تلك مومس و الكبرى مُشغِّـلتها . " يسقط فَـكّي السّفلي و يزيغ بصري ... طالما تخيّلتُ المومسَ بمساحيق فاقعة و رموش مستعارة و ملابس فاضحة و ضحكة رقيعة ، أو ذاك ما احتفظتْ به ذاكرتي من السينما و الروايات القديمة .. يوم قرأتُ للسيّاب " المومس العمياء " عرفتُ أنّ للتعاسة وجهًا و كفرتُ بالأحكام المسبقة . لكنّ المشهد هنا فوق كلّ حكم و ما تخيّلتُ ... يتقدّم الليل ، و أنشغل بنقاش رفيقي .. ينسحب بعضُ الزبائن بعد أن صار ما في جيوبهم عاجزا عن أداء الكأس زكاتَـَها ..



و الخمرُ تمتعض ...



يمرُّ وقتٌ ما قـدّرتُه و ألتـفتُ فجأة فلا أرى الفتاة .. أبحث عنها بين الموجودين فيُـعييني البحث .. أشاهد مرافِـقتها في طاولة أخرى تنعم بالأنس و الطعام و قارورة خمر رخيص .. أهرع ببصري إلى صديقي فتجيبني إيماءة رأسه دون كلام تُـؤكّد ما ذهب إليه ظنّي .. ما أقبح اليقين . هكذا إذن يُـباعُ فروُ الدُبّ ليَحْضَى السَّـفَـلةُ بالدّفء ؟ الفكرُ هنا مصلوبٌ و الثقافة يتيمة فمَنْ ذا يرفع قميص القتيل على رؤوس الرّماح و يستصرخ " وا ذُلاّه " .. يُسعفني مُخاطِبي " الثّـأرُ مغامرة غبيّة و وَهْم الأوّلين . " يدفع الحساب    و نغادر المطعم ...



و الخمرُ تتبدّد ...



في الشارع حرارة خانقة .. أطفالٌ عُراة يسبحون في نافورة صُمِّمَتْ لتزيين المدينة .. رجلٌ ينبش عن عشاء في حاوية القمامة .. و ثانٍ يصوّبُ ذكَرَه إلى جدار مكتبة و يقضي حاجتَه .. و آخران يتقاذفان بكلّ ما احتواه معجمُ الجنس بل لعلّهما يُحقّـقان فتحا جديدا في اللغة تسجّله الأجيالُ حين تُـنَقّحُ المعاجم . يُشيرُ صديقي إلى سيّارة أجرة .. أركبها في إعياء .. يُطلّ من النافذة     و يقول لي في ابتسام قبل أن نفترق " لا تنزعجي ، نحن في الألفيّة الثالثة .. هي ثقافة الجسد . " أودّعه و تمضي بي السيّارة .. إنّها المرّة الأولى التي لا أقبّـلُـه فيها لحظة الوداع . أغمض عينيَّ عن الطريق مخافة أن أفتحهما على ماخور كبير .