العودة ...
تسميتها، بدلالتها المقيتة توحي إليك أنّك مهما ابتعدت و نشدت انعتاقا و
احتضان آفاق أخرى فأنت عائد إلى قلب الرّحى لا مفرّ. فينهار كلّ العزم منك و
يتفاقم احتقارك لعجزك، تثور يوما أو بعضه لحريّتك السّليبة ثمّ تصطفّ مع القطيع و
تشارك الآخرين السؤال " صبّوا منحة الانتاج ؟" و تسخر في قرارك "
أيّ إنتاج ؟ " و تهرب إلى السقوف و الجدران و المناضد و الأديم، فإذا القذارة
ذاتها تزيدك رسوخا أنّك عدت. فتتأمّل جدول أوقاتك في استسلام، و بنفس الاستسلام
تحتجّ في صمتك على حصص العمل المسائيّة، و تحتجّ أكثر على صبيحة يوم السبت رغم
أنّك لن تبتعد عن بيتك إلى أكثر من السوق التعيس لقضاء حاجياتك التعيسة و رغم ذلك
تحتجّ على التدريس يوم السبت، لكنّك ستعمل و ستزداد عيناك فيه تورّما و وجهك
احتقانا و أعصابك تشنّجا.
ظروفها، نهاية صيف و بداية خريف، أثقل المواسم و أكثرها رطوبة و تقلـّـبا
فلا حرارة الصيف تستسلم بل تنتقم في جولة أخيرة قبل الوداع، و لا رياح الخريف
الحاملة للغبار في شوارعنا القذرة تتركك تنعم باحتضار القيظ. تغادر بيتك و أنت
تزهو بثيابك الصيفيّة لكنّك قد تضطرّ إلى إفساد المشهد بفتح مطريّة و إلاّ فإنّ غيمة
مفاجئة كفيلة بجعلك كالقطط المتشرّدة. عودة إلى المجهول، لا تعلم إن كان العام
الدراسي سيمتدّ في أمن أم ستحتّم ظروف البلاد توقّف الدروس مرّة أو أكثر، و إن
توقّفت فما حيلتك مع البرامج و الامتحانات و احتجاجات التلاميذ ... و أوليائهم
المعتدلين و ماذا لو كانوا سلفيين. شارع مضطرب، قمامة، انتصاب فوضويّ، اكتظاظ و
اقتراب 23 أكتوبر و ما سيتمخّض عنه.
شخوصها، ظاهرة غريبة نعيشها منذ سنوات قليلة و هي أنّه كلّما انتقل زميل أو
تقاعد عوّضته محجّبة. و عليه، فقد تفاقم مشهد الرؤوس المغطّاة و " السّلام
عليكم " بدل تحايانا التي اعتدنا صباحا مساء، و ازدادت الأعين المستهجنة لكلّ
دعابة أو ضحكة أو سيجارة تشتعل ...
سأكتفي بهذا حديثا عن الأشخاص فالزملاء و الأصدقاء خصوصا هم من يخفف على
المرء رتابة العودة. أمّا التلاميذ فعقول صغيرة و ضحايا ظروف و منظومة و واقع و
ثقافة و مجتمع، لذلك أعفيهم من الكلمات.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire