دخل البطلان مطعما أجنبيّا فاخرا و جلسا ، تصفّح كلٌّ منهما قائمة الطّعام فلم يفهما اللّغة . قال الرّجل لصديقته " اطلبي الطبق الأغلى ثمنا ، من المؤكّد أنّه الأفضل. " أشارت المرأة للنّادل بإصبعها للأكلة الأعلى ثمنا ، و أومأ إليه البطلُ بأنّه يريد نفس الطّبق . غاب النّادلُ قليلا ثمّ عاد بالطّلب و قال بلغة يفهمانها :" تفضّلا ما طلبتما ، الخبز. " خبز ؟
نعَمْ ، الخبز. و خبز حاف و بأعلى سعر، ذاك مآلُ من يدخل مكانا لا يفهم لغة أهله ، و من يتخيّل أنّ الثراء ينوب الثقافة ، و من يتجاوز التواصل مع الآخر و لا يتقن إلاّ بهرج المظهر. و ذاك ما يمكن أن يصير مآلـَـنا لو اكتفينا بالكلمات الأربع التي لم نحفظ غيرها منذ سنين و لو نزد ، و لم ننفتح على لغة جديدة في الحوار و التعاطي مع مستجدّات الثورة و ما تقتضيه من قبول للآخر مهما اختلف و خالف، و لم تقبل عقولنا التي دُجِّـنتْ على يد رئيسين مدى أكثر من خمسين سنة فاعتدنا القائد الواحد و الحزب الواحد و الإعلام الواحد و التّأريخ الواحد و الثقافة الواحدة ، و اعتدنا من يفكّر بدلا عنّا و من يرتئي لنا الحلول - و هو الذي وضع قبلها المشاكل - و من يتكلّم بحناجرنا و يرى بأعيننا و ينتخب نفسه نيابة عنّا
لذلك ثرنا . كي نكون ، كي نعبّر بحُرّ أصواتنا ، كي نختار بمحض الإرادة فينا ، أفنترك دار لقمان على حالها بعد أن قدّم الشعب ضريبة الدم ؟ أندفن رؤوسنا في الرّمل بيأس قائلين " لن يتغيّر شيء سواء انتخبنا أو لم ننتخب " ؟ هل سينزل علينا التغيير من السّماء ؟ أم نحن كما نحن دائما في انتظار معجزة و نحن قعود؟ أم لعلّنا نريدها مدينة فاضلة يطيب فيها العيش دون تضحيات ؟
أنا سجّلت اسمي في القائمات الانتخابيّة ، و كذلك الشّأن بالنّسبة إلى أفراد عائلتي و جيراني و أصدقائي . سجّلنا برغم كلّ شيء برغم زخم الأحزاب و خطابها السّياسي غير المقنع ، و برغم الانفلات الأمني ، و الحرائق المُدَبَّرة ، برغم غلاء المعيشة و تدهور المقدرة الشرائيّة ، برغم الاحتكار و الاستغلال و استمرار البطالة ، برغم البطولات الورقيّة و العنف و الاستفزاز ... برغم كلّ هذا و غيره سجّلنا
لأنّ الإحجام عن التسجيل سلبيّة و استقالة و السلبيّة لا تبني بلدا
حينها لن يبقى لنا إلاّ الخبز الحاف و بأعلى سعر
4 commentaires:
أشاطرك الرأي ...الإحجام و التردّد...لن يفيد في شيء غير أعداء الحرية و ما أكثرهم
تحياتي...
لزمنا نكونو نماذج للفعل الايجابي رغم ما قد يصيبنا احيانا من احباط
الحلاج و براستوس
أوافقكما تماما يا صديقيّ
دمتما
موضوع ممتاز جدا شكرا لكم
Enregistrer un commentaire