dimanche 9 octobre 2011

في مائوية محمود المسعدي

بمناسبة مائويّة صاحب " غيلان " نشرتُ مقالا بجريدة "المغرب" اليوم الأحد 9 أكتوبر 2011 هذا نصّه

لم يكن المسعدي مثقفا
كان ظاهرة ثقافيّـة 


سال في محمود المسعدي ( حياته و خاصّة آثاره) حبرٌ كثير. فالرّجل لم يكن أديبا مثقّفا بل كان ظاهرة ثقافيّة، أصَّلَ لذاته كيانا في زمن 
صعب كان فيه التعليمُ متاحا لأبناء الحاضرة و حظ المُترَفين، إذ نبَغَ عقلٌ في قرية تازركة و كان المآلُ جامعة السوربون بباريس. لن أخوض فيما يعرفه الجميعُ و ما تعمّق فيه الأكاديميّون خصوصا ثلّة من أساتذتنا الأجلاّء كمحمود طرشونة و توفيق بكّار، لكنّني سأبرِّرُ و أعَلِّلُ سببَ قولي إنّ المسعدي كان ظاهرة ثقافيّة، فما أنا من هواة إطلاق الشعارات و لا الرّجلُ بحاجة إلى الألقاب و هو القامة الإبداعيّة التي يعلمها القاصي و الدّاني.

لقد انخرط المسعدي منذ حداثة سنّه في السّياسة حيث تحمّل مسؤوليّة التعليم في الحركة الوطنيّة ضدّ الاستعمار الفرنسي، كما تقلّد دورا قياديّا في العمل النقابي، ثمّ تولَّى وزارة التربية القوميّة و أسّس الجامعة التونسيّة و أقرَّ مجانيّة التعليم لكلّ طفل تونسي، ثمّ تولّى وزارة الشؤون الثقافيّة و أنهَى حياته السياسيّة رئيسا لمجلس النوّاب. فهل كان طيلة هذه المسيرة رجلَ سياسة فَجًّا بيروقراطيّا ؟ هل شغلته دواليبُ السياسة عن مَنزَعه الإبداعيّ ؟ لا ، لقد كان مَسكونا بهاجس الثقافة و كان يُؤمن أنّ الأمّة لا تتغيّر بمرسوم سِيادِيّ بل بعقول تنيرُها المعرفة و الثقافة. كذا كان له نشاطٌ وافرٌ في منظّمتيْ اليونسكو و الأليكسو و في مجمع اللغة العربيّة بالأردن، و كذا أشرف على مجلّة " المباحث " ثمّ على مجلة "الحياة الثقافيّة" ، و كذا ترك لنا زبدة فكره و إبداعه في مؤلّفاته الخمسة. و كم كان شبيها ببطله "أبي هريرة" تنتقل به تجاربُه من بعثٍ إلى آخرَ فكان دائمَ الاستعداد للرّحيل خوضًا للمغامرة الوجوديّة، و لكلّ تجربة حيرتُها و مخاضُها فجاءَ أدبُه "مأساة أو لا يكون" ثمّ كانت الخاتمة معراجا، ظمأ إلى المعرفة و الحقيقة تـُطلَبُ فتـُدرَك. هذا المسعدي رجل السياسة الذي لم يُغيِّب الثقافةَ عنه قولا و فكرا و ممارسة، فأين كانت المسألة الثقافيّة من النّظام الذي حكم البلادَ أكثر من عشرين سنة ؟ و أين هو الملفُّ الثقافيُّ في برامج الأحزاب الرّاكضة اليوم إلى السّلطة ؟ متى سيُدركُ ساسةُ المستقبل أنّ تهميش الثقافة هو أوّل مسمار يُدَقّ في نعش الأنظمة الكليانيّة و أنّ الدكتاتوريّات التي طمست الثقافة و أعلامَها، و نَصَّبَ رموزُها أنفسَهم آلهة للشباب بعد تجهيله بإغلاق مصادر الثقافة في وجهه مَنعًا أو تمييعًا، قد سَعَتْ حثيثًا – دون عِلم- إلى انتفاض الشعب عليها لأنّ طبيعة الشباب ترفض " المثال المفرد " الذي لا يزول. و تلك كانت نكبة نظام بن علي، أفلا يتّعظون ؟

ليست الثقافة فلكلورا لأوقات الفراغ، و لا أفيونا للمُعدَمين، و لا فـُتاتًا لإلهاء المُبدعين يُذرَى لمَن رضيَ أن يُسبّحَ بحمد البلاط و يُمنَعُ عمَّن حَرَّرَ فكره و إرادتَه من ذلِّ المادَّة. إنّ الثقافة هي الشّريانُ المُغذّي لكلّ نقلة حضاريّة، لذلك قلتُ في البدء إنّ المسعدي كان ظاهرة ثقافيّة بل لعلّي لا أجدِّفُ بعيدا إن اعتبرته أيقونة، نعم أيقونة ثقافيّة. و يومَ يصيرُ رجلُ السياسة التونسيّ مؤمنا بالثقافة كضرورة حيويّة و مشروعٍ حزبيٍّ  حينها فقط يمكن الحديثُ عن هبوب رياح الثورة في العقول قبل الشوارع.





2 commentaires:

3617MyLif€ a dit…

Une lueur d'espoir dans le noir...rattraper le temps perdu

Hausräumung Wien a dit…

تحياتى لكم .. فين الموضوعات الجديدة