تدوينة تائهـة
أصحيح أنّ فاقد الشيء لا يعطيه؟ مقولة توارثناها في تسليم دون نقد. لو كانت صحيحة فكيف أبدع الفنّانون روائعَ فسرَّوْا و سرُّوا و واقعُ حياتهم مأساة؟ ماذا نعرف عن حياة "فنّان الغلبة" و مَن "جميع الحروبات وفات إلاّ حربه هو و مرته" و الذي "عنده ولده يا حُضّار" و ذاك القائل " وشربتْ دمّ البلبل الفنّان"؟ و كيف كتب الشعراء أجمل قصائد الحريّة و هم في ظلام المعتقل؟ أيكون الحُلم؟
قال لي صديق منذ أيّام :" عودي إلى الكتابة ولاّدة، تلبّسيها كما الحُلم في منفى." أجبتُ في قراري :" آه يا صديقي، لو تعلم كم أتوق إلى منفى حقيقي، تذكرة بلا عودة إلى المكان أو الزمان الذين أنا شقيّة بهما." عادة ما نفضّل الاحتفاظ ممّن نحبّهم بصورة مشرقة قبل الوهن و المرض، بعضنا إذا ملّ تعاسة أيّامه استنجد بألبوم الصّور القديمة و أغرق في الطرب القديم حتّى ينفصم و يدخل المتحف. كنّا نسخر من أساتذتنا و آبائنا إذا هلعوا من زحف الفنّ الشعبي على التلفزة ، و من تردِّي الذوق العام في لغة الخطاب و الهندام و حتّى المعمار، و من نجوميّة بعض الرياضيين أكثر من الأدباء و مشاهير المثقفين إلى حدّ كان لقاءُ أحدهم أصعب من مقابلة وزير، أقصد وزيرا من العهد البورقيبي هههه و مَن لا يرى الفرق؟. نعم سخرنا من هلع الكبار و لم نكن نفهم سبب إحباطهم و لعنَهم "الدِّنيا الكلبة". اليوم صرنا نرى بعض القنوات التلفزيّة تستضيف المخدَّرين و المجرمين و نهَّابَ أموال الشعب و السَّفلة و الخونة و الدجّالين و الجهَلة، و نرى الشبابَ العاطل المهمَّش يُوعَد بصيف مظفَّر بحفلات الزواج يقوم بها عنه صندوق الزكاة، و يقفز للذاكرة مثلٌ تونسيّ سليط " مالقاش خبزة يلملمها باش يلقى عروسة يكلّمها" ، و نرى السّارقَ ، القاتل يُؤمَّن على حقوقه و كرامته و عودته للبلاد و الصّادقَ يُهانُ و يُعنَّف و يُرمَى بالخيانة، و نرى العامّة عادت إلى تقبيل
أيادي أولي الأمر. و نرى ... فمن سيسخر من هلعنا كما سخرنا؟
ماذا يحدث؟ أين الاعوجاج؟ ما الخطأ؟ أم ما من خطأ؟ نحن المخضرمون فقط من يراه لأنّ تخطيئ الآخر سلطة ترسّبت فينا و أزعجنا أن نكون ضيوفا على واقع جديد من صنع غيرنا. بئس التخطيئ ثقافة و منهج تفكير، لا يختلف عن التحريم و التكفير، كلاهما إلغاء للاختلاف باسم القيم و الموروث، لو كان الموروث سليما لكنّا أقدر على التفاعل و التأقلم. في زمن أسّس فيه الغربُ لحريّاته بمبدإ " دعه يفعل دعه يمرّ" أسّس المسلمون لدكتاتوريّتهم بمبدإ " المارق عن السلطان كافر" و "من مات و ليس في رقبته بيعة لإمام مات ميتة جاهليّة" و منّي على الديمقراطيّة السّلام.
2 commentaires:
تدوينة حلوة/مرة كالعيشة
هناء سارتر
راودني نفس الشعور بالغثيان عندما شاهدت "التونسية" تقدّم عنصرا من عناصر الميليشيا "كأب عائلة".... غثيان غثيان غثيان... اكتب اكتب كمّل على مرمّتنا عالأقل نموتو موتة متنوّرة
Enregistrer un commentaire