نعرف الّي دنيتي قاعدة تتسرسب من بين يديّ و الّي مديدة أخرى ماعاد يقعد
منها كان حفنة تصاور و بعض البوبينات بالغبرة في أرشيف التلفزة و حيوط خايخة خارجة من تحتهم ريحة السَّرب و بيبان قشّرتهم الشمس و الشتا و يدين الهوير. هذاك علاش حبّيت نكتب دنيتي بكلماتي و بدموع العين، و قبل ما ياكلنا الحافر نخلّي
شهادة للجايين
هذه تونس الّي عرفتها و حبّيتها
الدار العربي و بابها بالقبجة و الكذال، الرخام و نقشة حديدة ، البير و الماجن، السقيفة و وسط الدّار و العلي، الشبابك بالقنّاريّة، القبوّ و المقاصر و السدّة، محابس الحبق و قفص الكنالو معلّق، ياسمينة مديّحة كي تهبّ عليها النسمة في عشيّة صيف الحجر يعشق، ماكينة الغنا في قاع البيت تخرخش و من بعد يصفى الصوت و تولعج حبيبة مسيكة ، كواتروات رجال الدّار، في شوكة وسط الدار منشر النواصر قاعد يبرد مالقايلة قبل ما تتحطّ في القزدريّة و تتخبّى، في بيت المونة شكاك الثوم و الشريحة و القناويّة و الفلفل الشايح و خوابي القدّيد و زيت الزيتونة و الانشوّة و الزيتون و الليمون و حكك الدبابش و قزادر الكسكسي و المحمّص المزلوقة و البرغل و الحلالم و دبابز الهروس و القسطل و الفاكية و الفـّاحات، كلّ شيء مرصّف في بقعته. الزنقة بالزّرص و سفساري الحرير و الكرّوسة، الحمّام و ريحة الطفَل و البردقانة، و نكتة الحرقوص على خدّ المزيانة، الحلفاوين و باب سويقة التاكسي بيبي و بيّاع التكوة و زنقة الكبدة و باب الخضرا و سيدي محرز و التبّانين و باب العسل و سيدي البحري و باردو و باب بحر و النواوريّة و الترينو الابيض و حلق الواد و صلامبو و قرطاج و سيدي بوسعيد و المرسى، البريك و البنبلوني و قازوز السّيدر و العومة في الفجر و صالة الاسيندا و سهريات الشتاء و عشويات الصيف، اللّعب و الضحك و الهيجة و الدّبَر و عمايل الغشاشر المشومة و كورة الكلاسط، البلفدير و دار العجايب و دار الحوت، جمِع سيدي بلحسن و السلاميّة و النّبيتة و رديف البنادر، الجبّة و الشاشية و الكشطة الخضرا ، المشايخ وجوههم باشرة رطبة و ريحتهم بالكونوليا... جا المكتب و بدا الغرام و تحلّت دنيا جديدة، الكرطابة و المنديلة، الجفـّاف و المحبرة و البلومة بظفرها السوري و ظفرها العربي، المقلمة اللوح و الطباشير و اللوحة و قلمّات الزيّانة و الصلصال و الاقراص و الاعواد و النقود المزيّفة، السحّار و تنبري العصا البيضا، جزء "عَمَّ " و قصص لامارتين و نصوص جبران و شعر الشابي، الحساب الدمغي، الخطيّة، و الكَرني و الجوايز، نتيجة السيزيام في الجرايد و الناس جاية تهنّي بدبابز الروزاطا و باكوات السكّر و التاي و بسكويت "طوم". جَمعتنا حكايات العروي، والبلاغات المحليّة و بوديدح والفريق القومي كي يلعب لبرّة و مظلـّة البشير المنّوبي، الرياحي و الجويني و صليحة و نعمة و عليّة و الجموسي و التميمي و القلال و مصطفى الشرفي، جمعنا صوت عبد الحليم و غنايات فيروز في الرّاديو كلّ صباح، جمعتنا بياف و برال و براسانس و أزنفور و غيرهم، جمعنا مسلسل "الحاج كلوف" و "امّي تراكي" و "كمّوشة"، سُفرة رمضان، حوايج العيد الّي ما نفطنوش وقتاش تشراو، المَهبَة و الدراجح و الدورة على ديار العايلة، و في كلّ دار يغصّبو عليك الحلوّ ماكانش يتغشّشو، و يتختم النهار بواحد منّا مكدّر، وجهه ملخلخ، عنده غرض الردّان و لاخر لعبته تكسّرت و ماباتش عليها ليل، و لاخر فـَيَّا مهبته و شرى بيها بسكويت في نهار عيد و الديار باش تبرك بالحلوّ، و النّاس الكلّ تضحك عالنّاس الكلّ و نرقدو وحنا نحلمو بغدوة. كبرنا و تغرمنا بافكار جديدة ماليمين لليسار و هجنا بالقراية، في الجامعة الميني جوب بجنب اللحيّ و الدساترة و القوميين و الناصريين و الشيوعيين، كلّ مرّة الطريحة ترصّي عند جماعة، و كان يعجبنا منظر الشوارع مستّفة بالبوليسيّة و الكيران مقصوصة علينا و البلاد محيّرة، لكن الغنا و السينما و السّكرة و القهاوي و الجوامع موجودين و العيشة في العايلة ما تتغيّرش، و "الزّعيم" مايتمسّش...
تونس الّي ما عقلتهاش و ما نحبّهاش
الوسخ و الوجوه المغوّفة و الكونوليا المضروبة، لباس
الشلايك في الشارع، و الحوايج المكمّشة، النيلون و البلاستيك و العيريّة، التقوعير
و السلبيّة، الرّاس المطبّس و العين الذليلة و الترهدين، القباحة و سبّان الدين و
الكلام الزايد و الوسخ، براوط العضم المروّب و الفول الطايب و الكسكروتات بجنب
اكوام الزبلة، المجاري الفايضة، الفريب، الملاوي، الهمّاجية، النّصُب و الوسخ،
الزطلة، ضرب التاليفون العمومي بالبونية و المشطة باش يرجّع الباقي، السّبادري
نهار العيد، راجل يسبّ مرته في الشارع، مرا تفوح في راجلها في الشارع زادة، صغار
يبيعو في الشكلي في المحطات، تكسير الملاعب و الترينوات، البراكجات، بيّاعة
الكاساتات و الغنا العالي، المكتبات الفارغة، التصفير في حفلات الطرب، الجرايد
المعبّية بالتصاور، طواول القسم المكسّرة، بيبان المدينة الّي تعلقت عليها سلعة
ليبيا، و الوسخ، التلامذة القالقين و الّي يضحكو عالقراية، دروس التدارك،
الباكلوريا غير ربع، اللـّـحيّ و الجلابب و الخمار و عطر الموتى، الجهل و العقول
الّي تفنى عالخرافة، و الوسخ، العرّافات، الفتاوي، السّلاح الابيض و السلاح الحيّ،
القنوات الوطنيّة و الّي موش وطنيّة، الكذب، تجّار الدين، الوجوه المكشبرة و
السنّين الصّفر، و الكيران الصّفر زادة و الوسخ، السّرقة و القلبة و الغدر و قلّة
المعروف و نكران الجميل، البنوك و فاتورات الضوّ، الديار الواقفين عالياجور من غير
ليقة، و الديار الواقفين عالليقة من غير تبييض، المساكن الشعبيّة الّي صحابها
يحلمو يردّوها فيلات و يزيدو يضيّقوها، الكيّاسات المحفـّـرة و الوسخ، إمام الجامع
الّي يبكي في الخطبة، المواطن الّي كيف يرى كاميرا يلقّي لها وجهه، الطبيب الّي
يكلّمك بالنّطرة، الهنا و الغيار و الاستدعاء بالتاليفون، العبد الّي أنت تكلّم
فيه و هو لاهي يلعب بجوّاله، الشخص الّي تتناقش معاه يقلّك " أنت ماكش
فاهم" و الّي كي تفسّر له يقصّ عليك بكلمة "نعرف"، الزويّ المعبّية
بالبنات الّي يحبّو يعرّسو، النّاس الّي ماعادش يحلّو كتاب، الناس الّي يحلفو
بالكذب و ما طلب منهم حدّ باش يحلفو، عقليّة " أخطى راسي و اضرب، و يستاهلو،
و نشا الله تخلى..." العنف و الحرايق و التكسير و العياط و العرك و عبد يكلمك
في الشارع و هو ما يعرفكش، و الوسخ
9 commentaires:
تدوينة رائعة ولادة
شكرا باخوس المبدع
و مرّة أخرى ولاّدة و باخوس على موعد تدويني في ذات التاريخ و التوقيت دون سابق اتفاق ههههه بدأت الظاهرة تحيّرني و لابدّ من تدخّل شيخك أبي فأرة الكيبودي
j'apprécie énormément le contraste, même si ça vire parfois à l’exagération voir à la nostalgie. En tout cas une chose est sûre, votre plume est bien inspirée. Pourvu que ça dure pour le bon plaisir de vos lectrices et de vos lecteurs.
مرحبا بك سي لطفي
هل تصدّقني إن قلت لك إنّ الجزء الأوّل من النصّ خال تماما من كلّ مبالغة؟ لأنّه و ببساطة ذكريات طفولة و شباب نقلتها كما عشتها
أمّا الجزء الثاني فهو واقع يعيشه التونسيّون جميعا و لا قدرة لي على المبالغة فيه
شكرا لك على الإطلالة و التعليق
مقابلة تدمي العين حرقة على زمن تقدمت أعوامه ليتخلف ناسه. أبدعت وأبكيت
مرحبا بك سامي صديقا عزيزا، حبوت مدوّنتي المتواضعة بفاتحة زيارات كانت مدعاة لسروري وسط هذا الكمّ من الأحزان
أنا آسفة على ما كتبت و أثرت يا صديقي، فعلا آسفة من أجلك و أجلي و أجل كلّ الأصدقاء و الأحرار و الشرفاء، و من أجل تونس
دمت
حيّرت الكثير من الأوجاع ولاّدة... هل هذه تونس التي أحببناها ؟؟؟؟
الحلاج
قطعا لا يا صديقي، حقيقة لست أدري هل العيب فينا أم فيهم أم فيها أم لا وجود لعيب أساسا، إن هو إلاّ مكر الزمن و سيرورة التاريخ
شكرا لكم
Enregistrer un commentaire