عمناول كيف هالوقيّت كتبت تدوينة للذكرى لروح ممّاتي أمّي سعيدة و باش نكون منصفة في حقّ ممّاتي الثانية – الّي هي في الحقيقة خالتها – حبّيت اليوم نحكي عليها : أمّي دوجة . ما تقلّش أهميّة و تأثير على تكويني و شخصيتي . و إذا كانت أمّي سعيدة حكاية ظريفة تضحّك فأمّي دوجة حكاية جهاد طويل و إصرار ، بقدر ما الأولى عاطفيّة تتلاقى في وجهها الدمعة و الضحكة في وقت واحد بقدر ما الثانية عقلانيّة و شخصيّة ثابتة و كلمة ما تتردّش . و إذا كانت الأولى قدّ و بهجة و طول تشيخ على الخلاعات و العروسات و الضيافات مغرومة بالحرقوص و شرك الياسمين و تلبس المْهَدَّعْ و ساعة ساعة تعمل نفَيِّسْ من سيقارو بالسّرقة على ولدها الكبير فالثانية ذمَيْمَة مبرومة / كنّا نسمّيوْهم لورال و هاردي / فوطة و بلوزة و مريول فضيلة باليدين لحمها ما يتراش حتّى في عزّ الصيف وجهها ديما مغسول بالماء و الصابون ما حطّتش فيه مرود كحل ملّي مات راجلها و لكنها مغرومة بالكونوليا السّوري كيف ما كانت تتسمّى في وقتها ، ما تحبّش كثر الحافر ، و دودة متاع حركة ما تقعدش من غير ما تعمل حاجة تفيد . في الشتاء تخدم لنا مراول الصوف لتوّا نتفكّر لون أباريها و نوامرهم ، و على خاطر قامتها قصيرة كانت تطلع على كرسي قدّام الغاز باش تعمللنا معجون البردقان و خبزة الدّرع و الفريكاسي و كريمة الشكلاطة للسهريّة و أحنا دايرين بيها كالقطاطس . و كي تجينا في الصيف تحلى العشويّات و السهريّات و إذا ما تلقى ما تعمل تدور على الجنينة و تزرع مشاتل الفول و المعدنوس ، كيف يمرض الدجاج تداويه ، تقطّر لهم في عينيهم من الدوا متاع عينيها هي و تهرّس حرابشها و تسَفّفهم و الغريبة كانو يبراوْ ههههه و أحنا باهتين . عندي قريب تولد بنموّ ضعيف و وخّر في المشيْ خذاته أمّي دوجة على عاتقها و كانت تسكن على البحر . صيفيّة كاملة ، كلّ يوم تهزّة في حملتها للشطّ تغطّي له راسه عالشمس و تغرس له ساقيه في الرّمل السخون و تقعد بحذاه ، قفّة الفطور بجنبها و هي تغذّي فيه و عقاب القايلة تروّح بيه للدّار . ما جا آخر الصّيف إلاّما رجعت بيه لعايلته يمشي على ساقيه .
المرا هذه من مواليد 1903 كيف ما تقول هي " نديدة بورقيبة " و عدّات قرابة السبعين سنة من عمرها وحّدها ، وحّدها يعني أرملة ، مات راجلها و هي في سنّ التسعة و عشرين و خلاّلها ثلاثة بنات الكبيرة بنت 12 سنة و الصغيرة ما يعرفهاش خلاّها حبلى بيها . رفضت الزواج بعده و من وقتها بدات رحلتها في الجهاد . جهاد للعيش الكريم و جهاد ثاني ضدّ التقاليد . ماكانش ساهل على المرا في بدايات القرن الماضي باش تؤمِّن حياة أسرتها وحّدها و لا كان مفهوم . عزيزي كان إمام بيرصا و يملك أراضي و ديار لكن عايلته حطّت يدّها على أرزاقه الكلّ و حرموها هي على خاطر ما جابتش منه ذكر . من وقتها فهمت أمّي دوجة إلّي يلزمها ما تتعامل كان مع الفرانسيس / وقتها ما كانش فمّة الروَيّق متاع الاستقواء بالأجنبي / عمّلت على روحها و اتّصلت بطبيب فرانساوي يقولو له دكتور لو قران عاونها و دخلت تخدم في مسشفى بعد تدريب قصير أثبتت فيه كفاءتها و خرجت ببناتها و خلاّت بيرصا كلّها و كرات دار في سيدي بوسعيد و قيّدت بناتها يقراو في " ببّصاتْ " قرطاج و بدات رحلة كفاحها . ربّاتهم على الاقتصاد و تحمّل المسؤوليّة . في ظرف خمسة سنين كانت جامعة مبلغ لاباس بيه و رجعت لبيرصا و لكن رجعت مالكة لدار متاعها باسمها و كانت كلّ ما توجد تزيد فيها بيت و تحسّنها و تتعامل مع البنّايَة و النجَّارَة و مارست حياتها بصفة عاديّة مستقلّة بذاتها و بمواقفها ، و علّمت بناتها و كبّرتها و زوّجتهم . المعروف عليها إنّها تقول كلمتها مهما كان الشخص الّي قدّامها ، كيف تقول لها في شيء من التهكّم " أما أنت خشينة أمّي دوجة " تجاوبك " مليح أقعد أنت جْويِّدْ " و من المأثور عليها جملتها الشهيرة وقت الّي تبهتْ فيها كيفاش فهمتّك عالرّمشْ تقلّك " نحسْبكْ و أنت واقف " . كيف روّح بورقيبة في عيد النّصر مشات لاستقباله في حلق الواد كيف آلاف التوانسة و عمرها ما فلّتت انتخابات .
وقت الّي فاتت الثمانين سنة طلبت قريب ليها يخدم مُطَوّف ، في سِبْحَة . استعرض عليها عضلاته و قال لها " هاذم سْبِحْ متاع حُجّاجْ وصّاوني عليهم " اكاهو من حينها جات للوالد لأنّه كان ينعْملها و ياخذ بخاطرها و قالت له " هاذم فلوسي و هاذم وراقي نحبّ على باسبور و قيّدني في قايمة الحُجّاج و لا مزيّة لعربي " و هكّاكة كان العمل .
نتفكّرها و هي ضيفة حذانا كيف يروّح الوالد مالخدمة تجي من بيتها على طراطش صوابعها و شوكة الفوطة بين سنّيها فمّاشي ما تسمعه يقول حاجة على مشروعها إلّي كلّفته بيه .
في ال85 سنة كانت حجّتها الأولى . الأقارب الّي حجّوا معاها يحكيو إنّها ما عملت حتّى شيء بالكرا ، الطّواف و الصّفا و المروة و عرفات ... كلّهم عزمت عليهم و عملتهم على ساقيها .عمّرت أمّي دوجة لقريب 100 سنة و قعدت على مواقفها لين غادرتنا في مثل هالأيّامات . اللّه يرحمها .