سأترك لكم السّياسة و التّأريخ ، سأترك لكم البحث في القوانين الدوليّة و سأترك لكم التوثيق بالوقائع و الأرقام و الصّور ، فلستُ من هواة الكلام على الكلام و أدرك أنّي لن آتِيَ بجديد .
في المقابل ، اسمحوا يا سادة أن تَدَعُوا لي ساحة العاطفة. فلن أفشيَ سرّا إذا قلت ، و بعد كلّ ما درَست و دَرَّستُ عن الشّهيد فرحات حشّاد ، شاهدت الشّريط الذي بثّته عنه قناة " الجزيرة الوثائقيّة " عشر مرّات . نعم عشر مرّات . و في كلّ مرّة لا أقوى على منع قشعريرة تكتنفني و دمعة تترقرق في المآقي فيمنعها الإباء . سيقول بعضهم: الإباء ؟ لِمَ العبارات الفضفاضة؟ نعم الإبَاء ، و لستُ أرى غيره يقينًا بأنّ الرّجل كان أكبر من الدّموع.
رجلٌ حمل قدَرَه على كتفيه منذ انخرط في النّضال، رجل أدرك أنّه ميّت لا محالة و كان يقول " لابدّ أن يموت أحدنا كي يُفتَحَ طريق للحريّة " و تقبّل دور القربان عن طيب خاطر ، لم يهرب ، لم يختبئ ، لم يترك البلاد و لم يهادن . و مات مناضلا . كلّ الزّعماء نالهم النّفي و الاعتقال و التعذيب إلاّ حشّاد ، كان زعيما في حجم الاغتيال ، ما كان لشيء أن يوقفه سوى التّصفية الجسديّة .
رجل لم يشترط الإمكانيّات ليحقّق الإنجاز ، كلّ عدّته كانت مائدة و قنديلا و قلما و بضع أوراق و عزما كبيرا و حبّا للشّعب أكبر ، ضاقت به الضّلوع ففاض عنها إلى ساحات النّضال . فجاءت الإنجازات في حجم العزائم : نقابات للجنوب ، فنقابات لعمّال الشّمال ، ثمّ اتّحاد عامّ تونسيّ للشّغل هو الأوّل على الإطلاق في شمال إفريقيا بل في العالم العربي كلّه ، غوص في أعماق الطبقة الشّغيلة و تجذّر في التجربة الاشتراكيّة و تفطّن لأهميّة دور شيوخ الإسلام ، كلّ هذا مع اتّصالات و علاقات وثيقة بالنقابات الفرنسيّة و العالميّة و تبليغ صوت تونس في المؤتمرات الدوليّة، ثمّ اقتران النّضال النقابي بالكفاح السّياسي يقينا بأنّ كرامة الوطن و حريّته كلّ لا يتجزّأ . حتّى صار الرّجل أحد الزّعماء إن لم يكن أبرزهم و أخطرهم حضورا و إقناعا و إشعاعا و حماسا و مثابرة .
ثمّ كان صباح يوم الجمعة 5 ديسمبر 1952 . و في الطّريق الفاصلة بين "رادس" و "نعسان" سالت دماء روَتْ .. و روَتْ ، رَوَت الأرض الضمأى للتضحيات و رَوَتْ فصلا من فصول الإقدام. أربع و عشرون طلقة ناريّة على السيّارة و بضع طلقات على الجسد : في القلب و الرّئة و الجنب و رصاصة أخيرة استقرّت في الرّأس.
ليس غريبا أن يكون موت حشّاد شرارة البداية و شحنة دافعة لاندلاع المقاومة في الدّاخل و الخارج . كم كانت غبيّة تلك الأيدي الإجراميّة التي امتدّت إليه في صلف و غدر حين ظنّت أنّها بقتله قد أخرست صوتا و غفلت أنّها أطلقت ملايين الحناجر ، فتفاعلا مع اغتياله خرجت مظاهرات في الولايات المتّحدة و روسيا و عدّة عواصم أوروبيّة ، و أقيمت عليه صلاة الغائب في مصر ، و انتظمت إضرابات و مظاهرات هي الأشدّ من نوعها في المغرب الأقصى و التي أدّت إلى اندلاع الحركة المسلّحة ضدّ الاستعمار
و بعدُ ... يُفتَحُ قبر الشّهيد لتُنقَلَ رفاته إلى العاصمة بعد ثلاث سنوات من دفنه فإذا به كما تركوه إلى حدّ إغماء أحد الحاضرين . و كأنّ دود الأرض أدرك أنّ الميّت من طينة العظماء فاستحى و أخلى المكان.
ألم أقل لكم إنّه أكبر من الدّموع؟
في المقابل ، اسمحوا يا سادة أن تَدَعُوا لي ساحة العاطفة. فلن أفشيَ سرّا إذا قلت ، و بعد كلّ ما درَست و دَرَّستُ عن الشّهيد فرحات حشّاد ، شاهدت الشّريط الذي بثّته عنه قناة " الجزيرة الوثائقيّة " عشر مرّات . نعم عشر مرّات . و في كلّ مرّة لا أقوى على منع قشعريرة تكتنفني و دمعة تترقرق في المآقي فيمنعها الإباء . سيقول بعضهم: الإباء ؟ لِمَ العبارات الفضفاضة؟ نعم الإبَاء ، و لستُ أرى غيره يقينًا بأنّ الرّجل كان أكبر من الدّموع.
رجلٌ حمل قدَرَه على كتفيه منذ انخرط في النّضال، رجل أدرك أنّه ميّت لا محالة و كان يقول " لابدّ أن يموت أحدنا كي يُفتَحَ طريق للحريّة " و تقبّل دور القربان عن طيب خاطر ، لم يهرب ، لم يختبئ ، لم يترك البلاد و لم يهادن . و مات مناضلا . كلّ الزّعماء نالهم النّفي و الاعتقال و التعذيب إلاّ حشّاد ، كان زعيما في حجم الاغتيال ، ما كان لشيء أن يوقفه سوى التّصفية الجسديّة .
رجل لم يشترط الإمكانيّات ليحقّق الإنجاز ، كلّ عدّته كانت مائدة و قنديلا و قلما و بضع أوراق و عزما كبيرا و حبّا للشّعب أكبر ، ضاقت به الضّلوع ففاض عنها إلى ساحات النّضال . فجاءت الإنجازات في حجم العزائم : نقابات للجنوب ، فنقابات لعمّال الشّمال ، ثمّ اتّحاد عامّ تونسيّ للشّغل هو الأوّل على الإطلاق في شمال إفريقيا بل في العالم العربي كلّه ، غوص في أعماق الطبقة الشّغيلة و تجذّر في التجربة الاشتراكيّة و تفطّن لأهميّة دور شيوخ الإسلام ، كلّ هذا مع اتّصالات و علاقات وثيقة بالنقابات الفرنسيّة و العالميّة و تبليغ صوت تونس في المؤتمرات الدوليّة، ثمّ اقتران النّضال النقابي بالكفاح السّياسي يقينا بأنّ كرامة الوطن و حريّته كلّ لا يتجزّأ . حتّى صار الرّجل أحد الزّعماء إن لم يكن أبرزهم و أخطرهم حضورا و إقناعا و إشعاعا و حماسا و مثابرة .
ثمّ كان صباح يوم الجمعة 5 ديسمبر 1952 . و في الطّريق الفاصلة بين "رادس" و "نعسان" سالت دماء روَتْ .. و روَتْ ، رَوَت الأرض الضمأى للتضحيات و رَوَتْ فصلا من فصول الإقدام. أربع و عشرون طلقة ناريّة على السيّارة و بضع طلقات على الجسد : في القلب و الرّئة و الجنب و رصاصة أخيرة استقرّت في الرّأس.
ليس غريبا أن يكون موت حشّاد شرارة البداية و شحنة دافعة لاندلاع المقاومة في الدّاخل و الخارج . كم كانت غبيّة تلك الأيدي الإجراميّة التي امتدّت إليه في صلف و غدر حين ظنّت أنّها بقتله قد أخرست صوتا و غفلت أنّها أطلقت ملايين الحناجر ، فتفاعلا مع اغتياله خرجت مظاهرات في الولايات المتّحدة و روسيا و عدّة عواصم أوروبيّة ، و أقيمت عليه صلاة الغائب في مصر ، و انتظمت إضرابات و مظاهرات هي الأشدّ من نوعها في المغرب الأقصى و التي أدّت إلى اندلاع الحركة المسلّحة ضدّ الاستعمار
و بعدُ ... يُفتَحُ قبر الشّهيد لتُنقَلَ رفاته إلى العاصمة بعد ثلاث سنوات من دفنه فإذا به كما تركوه إلى حدّ إغماء أحد الحاضرين . و كأنّ دود الأرض أدرك أنّ الميّت من طينة العظماء فاستحى و أخلى المكان.
ألم أقل لكم إنّه أكبر من الدّموع؟
11 commentaires:
أحبك يا شعب
حمادي
مرحبا بك في حضور روح حشّاد
نص من تلك النصوص التي افتقدناها لأنّها تخاطب فينا الانساني والوجداني شكرا على وفائك لمن قدّم دمه ثمنا لكرامة أرادها وأرادها لنا. قال أحبّك يا شعب فلنقل نحبك ياحشّاد نحن على دربك
شكرا ولادة مرّة أخرى
العفو باخوس و مرحبا بك
Merci ,WALLADA:VIVE le courage de HACHED.Honneur à lui et à tous les travailleurs .
حشاد يا حشاد قتلوك ما استفادوا.هذه انشودة غنيتها صغيرا مع الاطفال ونصك ولادة اعاد لي تلك الرعشة و الحمرة التي تصبغ وجهي عندما كنت طفلا اغني انشودة حشاد وكلي عزم و شجاعة على السير على دربه.
سبجكتيف
سعيدة بذلك و بإطلالتك
Excellent post Wallada. Merci.
@ Ines
Merci et bienvenue
قد أبدو متشائما في تعليقي هذا ولكني والله لست مستبشرا خيرا من التوقيت الذي أختير لإحياء المطالبة بمحاكمة المسؤولين عن اغتيال هذا البطل الرمز
أخشى ما أخشاه أن تكون مجرد محاولة رخيصة لإحراج فرنسا و ليّ ذراعها .. ردّا على ما تجرّأت العدالة في فرنسا بالقيام به مؤخرا قرب الشواطئ الشمالية للعاصمة
ثمّة بعض مؤشرات تدلّل على نوع من صفقة دنيئة تحاك لإخماد هذه الحملة بمقابل .. و أي مقابل
على أيّ حال .. فقد قرأت أن السّرّية على ملفّ إغتيال حشّاد سيتم رفعها في أواخر سنة 2012 وفقا للقانون الفرنسي
مرحبا نورس
سعيدة بتأثّرك فلكِ من الحسّ المرهف ما يجعلك في مستوى صدق هذا النصّ
حشّاد يجمعنا يا نورس
رحم الله الرّجل
Enregistrer un commentaire