في قاعة فسيحة من مكتبة عموميّة ضخمة انتظم سباق فريد . لم يكن سباقا في الإنتاج أو في المطالعة و لا اختبارا للمعلومات بل كان سباقا حقيقيّا بالمعنى المتعارف خطّ انطلاق
و مضمارا و خطّ وصول . أزيلت المناضد و الكراسي و نُقلت خزائن الكتب و الرّفوف إلى قاعة مجاورة و أضيئت المصابيح للسّباق الحدث ، لا مدارج للجمهور و لا لجنة تحكيم و لا مُعَلّق ، فقط أربعة متسابقين اصطفّوا عند خطّ الانطلاق و هم على التوالي كأسُ نبيذ
و حسناء و سيجارةٌ و كتاب ، في تَبَارٍ من أجل الوصول إلى المُبدِع الجالس عند خطّ الوصول من سيكون الأسرع في بلوغ عقله و الظّفر بقلبه و امتلاك روحه . و بدون صفّارة أو إشارة تبادل المتبارون النّظر فيما بينهم و انطلقوا دفعة واحدة
رفعت الحسناء ذيل ثوبها لتكشف عن كاحلين كأنّهما العاجُ مُشرَبٌ بدم الغزال و مدّت خطوة ثابتة جريئة فاهتزّ منها نهدان ثرثاران في رقصة للحياة تَسبي أيّ قائم لله مبتهل ثمّ أطلقت ضحكة ساخرة و قالت : " حَمْقَـى .. كيف خطرتْ لكم مُجاراتي على قلب الأديب و أنا إلهامه و ربّة أفكاره ؟ بين شفتيَّ نارُه و نعيمُه و من أجلي يَسْهَدُ و يتعذّب و يمسك يَراعَه
و يبدع . هههه مجانين . " ردّت السيجارة في تشنّج و عصبيّة : " يالكِ من مغرورة .. غدا يذوي جمالك و يخبو نورُ صِباكِ و ما أسرعَ ذلك فيكم معشر البشر ، سينصرف أديبُكِ عنك إلى سواك و لن يبقى منك سوى بعض ذكرى بين سطور كتاب مُهمَل على أحد الرّفوف . أنا مَن أسري في دمه و عقله ، إذا غبت عنه لا يثنيه اللّيل و البرد و المطر على الخروج في طلبي ، مكاني دائما بين شفتيه و مسكني بين جوانحه و حبّه لي لا يحدّه سنّ و لا مَقام فأنا معبودة الغنيّ و الفقير ، الفتى و الشيخ ، الجميع يُفنِي في طِلابي ماله و شبابه ، أنا المُرَحَّبُ بي في كلّ الأماكن في القصور و بين جدران السّجون ... " تأرجحَتْ الكأسُ حتّى تراقص فيها النّبيذ و بانتْ له لألاءُ و هتف في استهزاء : " اسمعوا من يتحدّث عن الجمال الذّاوي
و الصِّبَى الفاني .. سيجارة لا تتجاوز حياتها الدّقيقة هههه كفاكِ عُـجْبًا بنفسك و اذكري هوانك بعد أن تُـسْتَلَّ منك الرّوحُ فيُلوَى عنقُك و تُـلقَيْن في المنفضة فإذا ازدحمتْ بك
و بأخواتك كانت القمامة مصيركنّ . أمّا أنا فالثّمالةُ منّي بألفٍ من أمثالك ، أسيلُ في الجوف فأرْقَـى إلى العقل ، بفضلي تَجْـرُؤُ النّظرة و ينطلق اللّسان و ينفلت شيطانُ الإبداع من عقاله . أنا رفيقُ البشر منذ بدء الخليقة ، أرافق أحزانهم و أفراحهم ، نجاحهم و فشلهم ، تحملني الدِّنانُ في حروبهم و ترتفع بي الأكوابُ في انتصاراتهم ، أنا الحاضرُ في أشعارهم
و رسومهم و آدابهم . أما علمتِ أنّ رَبَّهم وعدهم بأنهار من الخمر في الجنّة فهل تراه وعدهم بسيجارة واحدة ؟ فأين أنتِ من وهجي و ألقي و سلطاني ؟ " و ما إن أتمّ كلامه حتّى التفتوا جميعا إلى الكتاب المُتعثّر خلفهم و ضحكوا . هتفت به الحسناء : " ما خطبُكَ يا جدّي ؟ هل خار عزمُك و ثقلتْ حركتك و أنت على أرض ملعبك ؟ " فأجاب في صَلَفٍ : " أنا لا أخاطبُ الجَهَلة ، فرحون بتقدّمكم في السّباق ؟ و نسيتُم أنّ بين ثنايايَ أفكارًا لها أجنحة تصل قبلكم إلى الأديب و إلى الدّنيا بأسرها ، أنا لا يرهبني الموتُ و الهرم فكلّكم فانون و أنا الباقي، يهابُني السّلطان و يرتعد منّي الطّغاة ، بوحي منّي اندلعت الثورات و من أجلي أقيمت المحارق و المشانق ، أنا أحمل لكاتبي مجده أو حتفه و له في كليهما خلود . " قال . و فتح غلافه و طار و علا فصار كطائر الفينيق
بلغت المنافسة ذروتها حين اقترب السباق من نهايته و لاح خطّ الوصول . نهض الأديب من مقعده و تقدّم نحو المضمار ، لأوّل مرّة في تاريخ السّباقات يتقدّم خطّ الوصول من المتسابقين و ليس العكس . احتضن المبدع المتبارين الأربعة و قال : " يعزّ عليَّ يا أحبّتي أن أقول لكم عَبَثًا تنافستم فلن أتخلّى عنكم و إن لم تتسابقوا غير أنّه في الوقت ذاته لا يمكنني الاحتفاظ بكم هنا و هذه الجدران الخانقة تطبق على أنفاسي
حريّتي .. حريّتي أغلى و أبقى و أرقى و لست بمتنازل عنها
هلمّوا نخرج إلى الفضاء النيّر فالظلام للخفافيش
7 commentaires:
و اذا كانت المبدعة امرأة، اشكون يكون مكان الحسناء؟
فرررر
إقلب يقلب سليخة الشيطان ههههه
رجل وسيم طبعا لكن موش قوّام
لكن يظهرلي يا فرررر لو كان جاء رجل متباري راهو من نصّ الثنيّة دخّن السيجارة و شرب الكاس و تأبّط الكتاب و قال فيها حتّ
نص طريف..أنا منحاز لكأس النبيذ فهو الذي يغري بكل أنواع الجنون وهو الذي يأثث المكان وهو الذي يفتح الذراع للحسناء و يمدّ الأصابع للسيجارة و يفتح الطريق للكتاب...
نص جميل جدا ولاّدة
قرأته اكثر من مرة و لا زلت
و بين ضفرين ميت بالضحك على تعليق الفرررر و إجابتك إنتي
الصحيح هو اللي قلت إنتي تو يشرب الكاس و يتكيف اليقارو و يهز الكتاب و يجري للمرا
ههههه
حلاّج
هكّة ظهرلك ؟ رايك و البركة
شنفرى
شفت هاك الفرررر كيفاش يصطاد في الماء العكر ؟ و هي فمّة حسناء تقعد عاقلة في خطّ الوصول حتّى يوفى السّباق ؟ ماهي راهي هبّطت مالسّما لقشة هههه
Très particulière cette compétition, moi si j'étais à sa place je ne ferais pas le choix je les prendrai tous les quatre sans m'en passer ni ma cigarette avec qui j'étoufferai tous les incendies qui brulent à l'intérieur de mon cœur et ma tête. Mon verre, où je pourrais plonger dans tous mes rêves et mes folies en les croyant une réalité. Mon livre qui accompagne mes longues nuits d'insomnie et cette belle déesse qui saura éveiller l'enfant qui hiberne en moi. Lequel choisir? difficile le choix:)
Les commentaires sont purement masculins, les hommes sont toujours fidèles à eux même!!!
Merveilleux le texte Wallada, j'attends passionnément la suite selon une vision autre que ces fins imaginées par nos chers messieurs :)
@ illusions
ton point de vue est conforme à celui de l'écrivain, lui aussi n'a pas pu choisir un au dépend des autres
heureuse de ta visite.
Amicalement
Wallada
Enregistrer un commentaire