vendredi 19 mars 2010

صرخـة في الظــلام

أيّهما أفضل للتفكير الجلوسُ في الظلام أم تسريح البصر في الموجودات تحت النور؟ الاختلاء بالنّفس عمّن حولها فلا صوت يعلو على صوت الأنفاس أم الاختلاط و الانخراط في صخب الحركة و النّاس؟


لماذا يطلب الأطبّاء من بعض مرضاهم البقاء في غرفة مظلمة؟ من قال إنّ الظلام مدعاة لإراحة العقل من رياضة التفكير؟ و ما أدراهم أنّه لن تأتلقَ في العتمة ألف مرآة تعكس لك ذاتك بسذاجة ماضيها و هوان حاضرها و بمستقبلها الغائم .. الغائم، و أنّه لن تنبَجسَ ألف نافذة تقفُ عند حافتها فتمتطي منك الرّوحُ سجّادا هنديّا سابحا و تخلّفُ وراءك الأغلال الصّدئة و المادّة العاجزة لتحلّق.. ليس بالضرورة عاليًا، المهمّ أن تُـحَلّق


إذا اهتزّ أحدهم زهوًا و فرحا و انشراحا وصمناه بالسّاذج الغِرّ المُسَطّح أمّا إذا أبدى وجوما و تجهّما نعتناه بالحكمة و النّظرة الثاقبة. لماذا؟ أيكون إقرارا بأنّ الحياة مُؤذية بطبعها و بأنّ الابتسام لها ضربٌ من البلاهة؟ البعض يعتبره حظّا و البعض الآخر يسمّيه قضاء و قدرا و يبحث له عن المبرّرات و الحكمة من وراء المحنة و يُمنّي نفسه بالأفضل في حياة أخرى. و سواء كان حظّا أو مشيئة فالأمر قائم : تقسيم غير عادل للمصائر. ما الحكمة في أن تُعطَى شيئا و تُسلَب آخر؟ و قد لا تُمْنَحُ أيّ شيء ، منهم من جمع الدّمامة و المرض و الفقر و الجهل و الهوان و ويلات حرب لا يد له فيها فأيّ خليفة في الأرض هذا ؟ و العكس صحيح، فمنهم من حَضِيَ بالجمال و الصحّة و الغِنَى و العلم و التمدّن و الحريّة. يقولون لو حصل الإنسان على كلّ شيء لطغى .. فليَحْضَ ببعض المنح و لا أظنّه سيُحدث ثقبًا في السّماء بطغيانه ، و كأنّ طغاة العالم كانوا كُـمَّلاً


و يقول البعض الآخر إنّ الأمر ليس حظّا و لا هبات إنّما إرادة الإنسان و سعيه هما فقط ما يحدّد نصيبه ... هراء. و أنت في حُمّى سعيك لتحقيق ذاتك تفقد الأعزّاء و الأحبّة ، يقعون منك على الطّريق يهاجرون أو يمرضون أو يغيّبهم الموت ، و أنت نفسك قد تفقد الصحّة و الإصرار و ينطفئ منك الشوق فتقف في النقطة الصفر لا أنت قادر على التقدّم و لا الرّجوع عاد ممكنًا . لو كنتَ أبرمتَ عقدا مع الشيطان لقالوا ذاك جزاء من يتحالف مع عدوّ البشر يُزيّن لك الألم حتّى تقع فيه . المُضحِك أنّكَ لم تعقد حلفا مع أحد . أنت مخلوق تمارس حياتك كما وُهِبتَها فلماذا على قدرك أن يكون بتلك الشّراسة ؟ و لماذا إذا بلغتَ هذا السؤال عُـدَّ وقوفا على تخوم الخطوط الحمراء التي متى تجاوزتها صرخوا في وجهك: هذا كفر . أما كان ينبغي للمرء قبل أن يكفر أن يعرف بما يؤمن و يرى نعمَته عليه ؟


لماذا أنجب طفلا ؟ لكي أربّيه و أنفق عليه من مالي و جهدي و وقتي و أمنحه حبّي و رعايتي و حناني حتّى ينعم بالحياة و في نجاحه نجاحي و إلاّ فلماذا ندرّسهم و نعالجهم و ندلّلهم و نحبوهم بالعناية؟ أمّا إذا كنت أنجبه كي أحبسه و أعرّيه و أضربه و أشوّه جسده و روحه و أحرمه فينشأ مُهانا مُعذّبا ذليلا مُحبَطا و يرى أنّي أفضّل عليه أخاه ثمّ أقول له لي حكمة في ذلك فإذا ضجّ في السّؤال و ثار و انتقد نعتُّـه بالعقوق و الجحود فلستُ أتّصِفُ حينها إلاّ بصفة واحدة و هي السّاديّة و من حقّ ابني أن يكفر بقيمة الأمومة


أنيرُوا الأضواء أيّها الأطبّاء ، باطِلة نظريّتُكم و زائفة فما الظّلام سوى فضاء فسيح لسباحة الفكر و تقلّبه و رياضة شاقّة للعقول التي سلّمَتْ و سالمت و استسلمتْ ، على رأي أبي الطيّب: و ما انتفاعُ أخِ الدّنيا بناظره / إذا استوتْ عنده الأنوارُ و الظُّلَـمُ


فبعضهم استوى عنده الظلام و الضّياء ، ما جدوى أن يضطربوا بين النّاس و الحركة و الأنوارِ و العقلُ جامدٌ في غياهب العتمة لا يشكّ و لا يجرؤ و لا يثور ، ما فائدة النّور لديهم إن لم يرَوْا في رقعته المصيـــر؟
ما كانت دعوة للإلحاد ، إنْ هي إلاّ صرخة ضيق تصاعد بخارُها و تلاشى.. في الظلام

5 commentaires:

illusions a dit…

ليت الصرخة كانت حبيسة للظلام وحده، فنهرب منهاالى الاضواء نشعلها و كاننا لم ندر انها وهم اصطنعناه بايدينا. لكن الظلام بمعانيه المختلفة، قد يولد صراخا منه مايزيد الظلمة عتمة و منه ما يرى نورا"الاهيا" حتى و ان كان من نسج الخيال، لكنه يسمح في بعض الاحيان بايقاف العقل عن التفكير من اجل ما يسمونه بالسكينة.فتصبح العتمات نورا، نصفقه و نحتفي به، كمن اخترع كذبة و كان من اول مصدقيها

khanouff a dit…

Ton texte me plais énormément, et j'aimerai essayer de le traduire un jour, mais pas dans le noir :)
Bonne soirée.

WALLADA a dit…

إلّوزيون و نورس

شكرا على التعليق و الإثراء

خان

في الفايسبوك نظام ترجمة آلي يعطيك النصّ باللّغة الفرنسيّة بمجرّد ما تنشره و لكن لا أخفيك أنّ الترجمة لم تعجبني فهي تكاد تكون حرفيّة لا روح فيها
شكرا صديقي على التفاعل

Qalam Ahmar a dit…

ظاهر فيها خاطرة مجبودة من قاع الخابية .. مقطّرة معتّقة من روح الروح
تبارك الله عليك يا ولاّدة .. يا ليت كلّ الصرخات اللّي نسمعو فيهم منّا و من غادي يكونو كي هاذي الصرخة .. و ياليتك تكثّر من "الصّراخ" إذا كنت ما تتسلطن إلاّ ما توصل إلـها الطبقة العالية

مانيش عارف عليك .. آما برجوليّة لازم عليك تفكّر و تسعى جدّيا في إخراج مؤلّف مهما كان نوعو .. مانيش خبير آما الحق و حسب نظرتي كمستهلك مدمن على المطالعة .. النصوص إلي تكتب فيهم ما ينقصو شي على منتوجات مؤلّفي "الروبافيكا" اللي عطاهم قربهم من معالي السّادة موقع متقدم من دور النشر

ياليت اتخمّم حتى في مشيريع متاع كتيّب ولاّ "إي بوك" يكون فرصة لاستعراض قدرات الريشة متاعك و يكون خطوة ليك للدخول في تجربة احترافية .. واضح عندك ما تقول و واضح زاده إنك متمكّنة من دوالب الكتابه .. و الموهبة متوفّرة .. و القبول موجود .. فاش تستنّا ؟ ساعات انشك عندك مؤلّفات و ما تحبّش تقول حفاظا على الهوية الإفتراضية البلوغوسفارية

WALLADA a dit…

لحمر

مرّة أخرى تحشّمني بكلامك الرّقيق الّي وصل للأعماق

أنا فعلا نفكّر في مشروع نشر ربّي يقدّرني على مجابهته

شكرا صديقي على التشجيع