lundi 12 avril 2010

مَـمَــرّ الموت

اليوم وقَفَتْ في ممرّ الموت ، هكذا أسمَتْه . منذ عشر سنين خلتْ و فوقها خمسٌ أخريات أخذ منها هذا المكان أروعَ الرّجال و أغلى الرّجال . و من أجل تسوية بعض الوثائق قادتها اليوم قدماها إلى هناك ، ما عادت تميّز إن كانت قدماها هما من قادها أم حظّها أم بيروقراطيّة اللّجان الطبيّة فالنتيجة واحدة . وجدت نفسها وجها لوجه مع ممرّ الموت . نفس الممرّ الطويل ضعيف الإنارة ، نفس الغرف ، نفس الأجساد البيضاء تضطرب ذهابا و إيابا دون أن يكون لخطواتها وقع و لا في وجوهها تعبير ، ممرّ كئيب في طابق بائس من مستشفى تعيس ، مكانٌ حرصتْ العمرَ ألاّ تعود إليه و ها هي تعود ، تقف متسمّرة في ذهول ، تقدّم الزّمن و أغلب الظنّ أنّها لم تعد قادرة على احتمال الرّزايا كما كانت تفعل في فورة الشباب . مازالت تذكر الغرفة اللّعينة ، في تلك اللّيلة قابلتْ الموت لأوّل مرّة ، كم كان كريها أصفر يزحف صامتا واثقا كحدّ الشّفرة البارد لا يعيقه شيء ... تحجّرتْ في مقلتها دمعة و تمرّدت لا هي سالت و لا جفّت و لا هي عادت من حيث نبعت فترقرقت عيناها كبلّور نافذة بلّلته زخّات المطر في يوم غائم كاليوم . لم تعد تشعر بشيء ، اختلطتْ الألوان و الوجوه و الأصوات ، أنين عجوز من هنا و عويل رضيع من هاك ، خصومة بين شخصين على أولويّة في الطابور ، ممرّضة تنخر أنفها بإصبعها و بذات الإصبع تضغط أزرار هاتفها الجوّال لتخاطب أحدَهم بصوت صدِئٍ متحشرج ، مصعَدٌ ينفتح و يلفظ سريرا تمدّد عليه شبحُ شيخ غادر لتوّه غرفة العمليّات ، تُحدِثُ العجلات قرقعة مزعجة و لا يهمّ أن يرتطم السّرير بالجدران و الأبواب فالمُخدِّر يفي بالغرض و المريض مجرّد رقم أو حالة . شعرَتْ بشيء يلامس كتفها فانتبهتْ من ذهولها ، أحد الموجودين كان يخاطبها لكنّها لم تكن تسمع ، في مثل هذه الأماكن يخاطب النّاس بعضهم دون إلقاء التحيّة و آداب التعارف ، يدخلون مباشرة في مواضيعهم كما يخاطبون أنفسهم أو يفكّرون بصوت مرتفع ، لكأنّهم يستعيضون بك عن الطّبيب الذي لا وقت لديه كي يسمع . اختلطتْ الأصوات و الحركة و الضجيج لتطفُوَ سحابة من الغوغاء كتلك التي كانت تسمعها في صغرها حين ترافق والدتها إلى الحمّام التّركي، غوغاء و بُخار و رائحة البرتقالة التي كانت تتناولها كي تطرد بنشاطها خدَرَ الدفء في الماء الدّافق ... كلّ ما بقي من عَبَق السّنين و سحرها . لم تميّز من كلام مُخاطِبها سوى جملته الأخيرة " البعض يَرِثُ من أسرته الأموال و العمارات و أنا ورثتُ الضغط العالي و انسداد الشرايين .. " تكاثفتْ سحابة الغوغاء و اشتدّت و أطبقتْ على صدرها و حنجرتها ، بدأت تختنق ، رغم اليقين أنّها لا تعاني فوبيا المستشفيات لكنّها الآن تختنق ، قدماها تحملانها بصعوبة و كلّ المُحيط يتأرجح و يغيب و تبقى هي بمفردها على حافة الهوّة المظلمة . أنقذتها يدُ الموظّف حين امتدّت إليها بالوثيقة التي جاءت لأجلها ، اختطفتها و ركضت نحو السلّم ، نسمةُ هواء منعشة هي كلّ مطلبها الآن ، تريد أن ترى السّماء حتّى و إن كانت غائمة لا يهمّ . الذّكرى و الجدران و الغوغاء و الخوف من الآتي تحالفت عليها فكانت أعتى من طاقة التحمّل لديها ، للحظة كادت تقع ، هي التي لم تجْثُ على ركبتيها لأيّ حدث كان ، يخيفها اليوم ضعفها ، يُهينها ، يعيقها . تحفر في ذاكرتها عن مصادر قوّتها زمن العنفوان فلا تعثر إلاّ على نفسها ، جميع عمليّات الحفر قادتها إلى نفسها . تبّا لها .. نفسها مصدر القوّة و البلهاء تبحث خارجًا

5 commentaires:

ferrrrr a dit…

bien

bacchus a dit…

ما أحلى الحياة وما أمرّ تفاصيلها

WALLADA a dit…

فرررر

شكرا


باخوس


فعلا

أزواو a dit…

أن نُعيد شريط الأحداث المؤلمة الدفينة هو شكل من أشكال التجاوز و فرصة لإتمام حِداد منقوص و تفريغ لأحزان دفينة و تقاسمها مع الآخر علَّه يُخفف وزرها. و عندما تصبح الكتابة متأنية واضحة يعني أن التجاوز تم أما المحبة فهي أبدية لا تتمكت السنون من طمس توهجها.

WALLADA a dit…

شكرا أزواو على الكلمات الرّقيقة كعهدي بك دائما . ما أسعدنا بصداقتك و ما أحوجنا إلى دعمها