mardi 31 mai 2011

لا يليق بالرّمال إلاّ الظلام

لله أنتَ يا دوعاجي، أعجبني منه هذا النصّ


ما كدنا نستقرُّ حتّى طلب صديقي من حَدَّة أن تنشدنا أغنية " الشّمعة " فتبسّمتْ كمن يبتسم لخاطرة أو ذكرى ، و كأنّما قد عادتْ الأغنية لذاكرتها بما حوْلها من أيّام شبابها و رُفقاء سفرها حين كانت صبيّة كاعِبا تشقُّ الصحراء تركب الخيل و المهاري و تحذق الصّيد. و كان منها إنشادٌ و منّا إنصات. و حضرَتْنا أحلامُ حدَّة بلسانها تُحدِّثنا عنها فتقول في رقّة و ترتيل : " كنّا نسيرُ في الصّحراء الواسعة و قد قرُبَ الغروبُ و أعيانا السّيرُ و أتعَبَ جِمالنا و ذهبَتْ حرارة ريح القِبْلي بما في أجسامنا من ماء و رطوبة ، فأنخنا رواحلنا. و ما فينا إلاّ فرِحٌ بهذه الرّاحة بعد أن أجهدْنا أنفسنا في السّير في الرّمال إلى حدّ المَلال. و كان يُظلّنا عن الرّيح الحارَّة عِرْق من رمل مرتفع. و لم نلبث أن اشتدّ علينا الظلامُ و لم يبقَ من النّور إلاّ بَصيصُ النّار تحت القِدْر. و بعد العَشاء أخذنا في طهي الشاي لغسل حلوقنا من الرّمال العالقة بها. ثمّ قام أحدُ رفقائنا إلى رحله فأخرجَ منه شمعة و وَدَّ أن نشربَ الشايَ على نورها. و كان القمرُ لا يطلع في تلك الليالي إلاّ متأخّرا. و ما كان أحْقَرَ نورَ تلك الشمعة الصّغيرة واقِفة كأصبع الجِنِيِّ في هذا الوادي الواسع. على أنّ نور الشموع كان أحَبَّ الأنوار إليَّ لأنَّ في رقصه بين النور و الظّلمة رقص الإنسان بين الحياة و الموت، و مع ذلك فقد طالبْتُ بإطفاء الشّمعة في تلك الليلة لا كَرْهًا لها ، بل ضَنًّا بنورها على هذه الصّحراء المُبغِضة إلى نفسي ، لكلّ ما عانيْتُ من السّير فيها عامّة يومي. و سألني رفيقي: ما يُبغضُ إليكِ نورَها فتحرمينا منها ؟ قلتُ : إنّها في غير مَحَلِّها إذ لا يَليقُ بهذه الرّمال إلاّ الظّلامُ. "              سهرتُ منه الليالي



فعلا، بعض العقول المتصحِّرة لا يَليق بها إلاّ الظلام

2 commentaires:

الحلاج الكافي a dit…

أيتها الساهرة في قلب الصحراء...أتركي الظلمة...فنحن في حاجة للنّور....في الليل سيدتي...في مكان غير الصحراء...هناك من الحشرات ما يضيء الليل غير الشمعة لكن بشرط ضياء القمر ، أنا أكره اللّيل بدون قمره كما أكره الوردة بدون عبق رائحتها

WALLADA a dit…

الحلاج

فعلا سيّدي ، إنّ ىالليالي تضيئها الأقمارُ ، غير أنّي قصدتُ ضربا آخر من الظلمات ، تلك التي تسكن العقول و النّفوس و تسدّ كلّ منفذ للضياء و الجمال. ظلام كالذي وصفتُ لا تليق به الشموعُ و رومنطيقيّة فيها فما بالك بالقمر