dimanche 20 novembre 2011

الكــــــرسي

لماذا صرتُ أطيل فترات الوقوف و أزداد تجنّبا للجلوس فتطفو خصلتي المثيرة لعجب البعض و أحيانا لانزعاج بعض الكتل الجالسة دوما كفصيلة الرخويّات؟ اللعنة على الكرسي. معروفة أنا بإيثاري الوقوفَ أو الحركة في العمل و في البيت رغم الإرهاق الجسديّ و كأنّي "مولودة على غار نمّالة" حسب تعبير بعضهم، فإذا جلست، تورّمت قدماي و وجدتُ النهوضَ أثقل و أشدّ إيلاما. ملعونٌ ذلك الكرسيّ. و من بين كلّ الذكريات السيّئة العالقة، لا أعبأ إلاّ بتلك الوقعة المدوّية حين سُحِبَ الكرسيّ من خلفي   – خطأ- و أنا أستعدّ للدنوّ إلى مائدة الطعام في أحد المآتم، كنت بنت سنوات سبع لكنّ الذكرى أبَدا حاضرة و الوقعة جِدُّ مهينة. تـبّا لذلك الكرسيّ. لماذا يشغل كبيرُ الأسرة دائما نفس الكرسيّ على المائدة و لا يجرؤ عليه غيرُه، فإذا مات ظلّ كرسيُّه فارغا ينغّص على الأحياء مأدبات الغداء و العشاء و الويل لمن يجلس فيه، سيُنعَت بالصفاقة و موت الشعور. ما أتعس الكرسي. و كيف يتبجّح بعض المؤمنين بأنّ نبيّ الله سليمان مات على كرسيّه دون أن تتفطّن الرعيّة الغبيّة – و كأنّ هناك فرقا بين حاكم نائم و حاكم ميّت – و أنّه ظلّ كذلك مائة عام أو ألفا لا أدري فللرّواة دائما مشكلة مع الأرقام. كم هو مثير للشفقة ذلك الكرسيّ. أذكر في آخر العهد البورقيبيّ أحدَ كبار الموظفين في القصر الرئاسي   – رغم المنصب و درجة التعليم- كانت مهمّته حَملُ الكرسيّ خلف الزّعيم خلال جولاته. بئس المهمّة و بئس الكرسي. من بين كلّ الكراسي، هناك الأكثر تطرّفا و هو كرسيّ قوّاد المومس حين يجلس في انتظار المعلوم من الزبائن، كرسيّ قد يراوغ أحيانا الغايةَ التي صُنع لأجلها فيصلح ليُهشَّم على رأس حريفٍ خانه المالُ أو خانته الرّجولة. ما أقبح ذلك الكرسي. بعضُ أنواع التعذيب يتمّ على كرسيّ و إذا ألمّ بإحداهنّ مخاضٌ قديما أجلسوها على كرسيّ ، و الإعدامُ بالكهرباء أداتُه كرسيّ. بغيضٌ كذا كرسي.
ما جلس حاكمٌ عربيّ على كرسيّ و قام عنه في تلقائيّة، بل ما جلس حاكم عربيّ على كرسيّ إلاّ و نـُفِضَ عنه كما يُنفَض السجّادُ القديم. سحقا للكرسي.
كلّ ما يثير غيظي في الموضوع برمّته، أنّي في حساسيّتي الشديدة من الكرسي أجد موقفي قد يلتقي مع بعض قوارض الخليج حين أفتوا بتحريم جلوس المرأة على الكرسي. تبّا، هؤلاء رَهطٌ لا أطيق أن يكون بيني و بينهم وجه شبه في شيء و لا أن يجمعني بهم حتّى كرسيّ في الجنّة. أفضّل الوقوف في عالم آخر.

3 commentaires:

illusions a dit…

سأقف معك ولاّدة، في هذه الدنيا او في عوالم اخرى...

فلا كرسيّ يستطيع احتواء شموخ المرأة فيّ، و لا كرسيّ قادر على جعلي انحني حتّى و ان سحبت كلّ الأبسطة من تحت قدميّ

WALLADA a dit…

illusions

حسبي أن تكوني شريكة صديقتي في أيّ مكان ففردوسنا فسيحٌ وَسِعَ العقلَ و القلب و كفى به نعيما و إن عربد خرابُ و ظلام

Hausräumung Wien a dit…

تحياتى لكم .. فين الموضوعات الجديدة