mardi 4 juin 2013

تــأبيـــن

     

رحَــلــتْ التــفـّــــاحــــــة

كنّا ثالوثا اجتمع فيه صدقُ الأطفال و جُهد الأبالسة إقبالا على الحياة لا يملّ، صفّقت القلوب لبعضها دون كثير كلام و كأنّنا على تعارف منذ الصّبا. رحلت بثينة أوّلا و لمّا تختم عقدها الثالث. باغتها الموت دون ضجيج فلبّت نداء الهاتف ذات مساء أحد، بين " آه " من ألم في الرّأس و بين إسلام الرّوح ساعتان. رحلت، و تركت وليدا في ربيعه الثاني و في قلوب الزملاء احتراقا. في فقدها اقتربت إحدانا من الثانية أكثر و كان في الصداقة و ذكرى رفيقتنا الرّاحلة عزاء و شحنة للأيّام القادمة. ثمّ التحق أصدقاء جدد تلاهم جدد، و مرّة أخرى تصفّق القلوب لبعضها، و سرعان ما أصبح الجدد أغلى على الرّوح من مهجتها. مرّت سنوات لم نشعر بطولها و لم يكن يعنينا عدّها فلنا في بعضنا حضن دافئ    و صدر يمكن أن تدفن فيه رأسك و تبكي دون خجل كلّما ادلهمّت الحياة، عيون تترقرق دمعا بدلا عنك، و مرح و ضحك وإضرابات و تعب و نقاشات و تهانٍ و ذكريات كثيرة صارت قطعة من العمر. كنت أرى ألفة وسط كلّ هذا بمثابة التفاحة، خضراء منتعشة متلألئة شبابا و صحّة و تسامحا و رقة و هدوءا حتّى في أحلك أزماتها. كانت زينة المجالس، و قلبا كبيرا و صبرا لا ينثني. كانت إذا أقبل الرّبيع تحمل إلينا الورود من حديقة بيتها لتزدان بها قاعة الأساتذة، أمّا روزنامة العام الإداريّ الجديد فمن إهدائها دائما، و كانت السبّاقة في كلّ جمع للمال إذا هممنا بتنظيم حفل توديع لزميل محال على التقاعد...


ماذا عساي أقول ؟ ألا سُحقا للبلاغة إن تخنّي الكلمات فلا أوفيك الحقَّ كلّه أو بعضه. لم تمهلينا شهورا طويلة كي نعودك و نكرّر لك الزيارات. بضعُ اسابيع في المستشفى عربد فيها ذاك الخبيثُ اللعين، كانت كفيلة أن تحدِث فينا الزلزال و البوصلة كانت أنت، و الثباتُ كان أنتِ. الأمر الوحيدُ الذي تأكّدتُ منه أنّكِ لن تطيقي سجن السّرير يا من كنتِ مقبلة على الحياة بملء الثغر و الذراعين، فرفرف منك الجناحان انعتاقا إلى عالم أروع حيث لا علّة و لا عناء.

بالأمس دفنوكِ، مدّدوا جنبكِ الغالي على التراب فكيف سيحلو لنا هجوعٌ بعدُ ؟ بكيناكِ اليوم أيتامًا، و التفتنا إلى أرجاء قاعة الأساتذة بحثا عنكِ فلا أدري إن كان هذا الصباح جزءًا من مماتك أم بقيّة لحياتك كما يكون الصمتُ بعد العزف جزءا منه. هل رأيتنا يا ألفة ؟ هل رأيت كيف تُذرَف عليك الدموع؟ حتّى تلاميذك أتوا لتوديعك، هل رأيت كيف واتاكِ يومٌ مشرق لا غيمة فيه ؟ كيف لا يكون و أنتِ الإشراقُ و الضياء. هل رأيتِ ماذا فعلتِ أنتِ و بثينة بي؟ غادرتما رحيلا تلو الرّحيل و تركتماني وحيدةً زاوية محطَّمة لثالوث انفرط عِقدُه، رحلتما ياقوتة و زمرّدة و بقيتُ هنا زجاجا مهجورا، فيال سعادتكما باللقاء و يال شقائي في عزلتي فَـقدًا و خسرانا.

أرقدي بسلام يا صديقتي العزيزة فالتعليمُ بعدكِ خراب و الصداقة بعدك جريحة و الأفراحُ بدونكِ باهتة و دنيانا لن تعود أبدا كما كانت. أرقدي بسلام و دعي السُّـهدَ لعيوننا القريحة و جرحكِ في قلوبنا لا يندمل و ذكراكِ باقية بيننا حيّة نابضة لن يقوَى عليها الزمان.

وداعا يا أجمل الصديقات و يا أحبّ الصديقات و أرقّ الصديقات.

4 commentaires:

bacchus a dit…

فقدً بعد فقدٍ أما آن أن يشبع الموت من مريدي الحياة؟ ولادة لك التعازي الصادقة والدعاء بالصبر الجميل ففقدان الصديق هو فقدان جهة وجود.. لها الراحة الأبدية ولك ذكرى جميلة تحافظين عليها وتعيشين بها. قد ترحل الأجساد وتبقى الأرواح الجميلة خالدة في النفوس الوفية لصداقة بينك وبينها كانت. وربي يصبركم جميعا.

WALLADA a dit…

شكرا باخوس الرّائع الرّقيق

لي في صداقتك و ثلّة من الرّفاق و الأحبّة أجمل العزاء و السّلوان، فشكرا لأنّك هنا.

Anonyme a dit…

رحم الله صديقتك
ورحمنا جميعا
أحياء وأموات
ان النعيم
أن يكون للإنسان
أصدقاء أوفياء
وذرية صالحة يدعون له
من بعد موته
لاتنسيها من الدعوات


صديقتك
سوزي من سوريا

Anonyme a dit…

وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْحُسَيْن أَنْبَأَنَا الْوَلِيد بْن عَبْد الْمَلِك حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن شُرَحْبِيل حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن عَطَاء عَنْ سَلَمَة بْن عَبْد اللَّه عَنْ عَمّه أَبِي مَشْجَعَة بْن رِبْعِيّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : ذَكَرْنَا عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " إِنَّ اللَّه لَا يُؤَخِّر شَيْئًا إِذَا جَاءَ أَجَله وَإِنَّمَا زِيَادَة الْعُمُر بِالذُّرِّيَّةِ الصَّالِحَة يَرْزُقهَا اللَّه الْعَبْد فَيَدْعُونَ لَهُ مِنْ بَعْده فَيَلْحَقهُ دُعَاؤُهُمْ فِي قَبْره فَذَلِكَ زِيَادَة الْعُمُر