mercredi 16 décembre 2009

الهيب هوب بين التعبير و التغريب

مقالي الصّادر في " زوايا المغاربيّة " بتاريخ 9 ديسمبر 2009


لا يمكن الحديث عن الهيب هوب دون الرّجوع إلى أصولها و الكشف عن ظروف ظهورها فالهيب هوب حركة ثقافيّة نشأت في الأحياء الفقيرة من منطقة برونكس بمدينة نيويورك منذ بداية 1970 بين صفوف الأمريكيين السّود من أصول إفريقيّة مع القادمين من بورتوريكو و جامايكا . و كانت كردّ فعل لما تعرّضوا له من عنصريّة و تهميش و سوء معاملة و كنوع من التعبير ن معاناتهم من الفقر و البطالة و الظلم ، مع الانتباه أنّها كانت في بداياتها نظام اتّصال بين السّود في جميع أنحاء الولايات المتحدة و كان الهدف منها إلهاء الشباب السّود بالالتحاق بفرق الهيب هوب و المنافسة في الرّقص و الغناء بدل الانضمام لعصابات المخدّرات و تجارة السّلاح . ثمّ انتشرت في السّنوات الأخيرة في جميع أنحاء العالم بين فئات الشباب خصوصا ذوي الأصول الإفريقيّة .
إذا و كما هو واضح فالهيب هوب لم تكن إطلاقا موسيقى الرّجل الأبيض " كعنصر غالب " بل هي فنّ الطبقات الفقيرة و الفئات المهمّشة المعبّرة عن معاناتها و همومها و قضايا عصرها . فلا مجال - و الأمر هكذا - للحديث عن تغريب أو فنّ هجين لأنّ الموسيقى ، أيّ موسيقى ما هي إلاّ أداة تعبيريّة تتجاوز حواجز اللغة و الجغرافيا و الدّين و الانتماء . روى الجاحظ أنّ رجلا نصرانيّا بكى عند سماعه ترتيل القرآن و هو لا يفهم اللغة العربيّة فقيل له " ما يُبكيك ؟ " قال " أبكاني الشّـجَـا " ، لطالما تلاقحت موسيقات العالم و تمازجت ، ثمّ منذ متى نجح نوع من الموسيقى و بقي حبيس موطنه الأمّ ؟ ألم يرقص العالم بأسره على أنغام الجاز و البلوز و الرّيقي و الصّمبا و الرّومبا ؟ ألم تتفاعل الشعوب المغاربيّة مع المالوف القادم من الأندلس ؟ ألم تتأثّر الموسيقى العربيّة زمن الخلافة العبّاسيّة بالآلات و النّغمات الفارسيّة ؟ ألم يكن كلّ ما ذكرت دخيلا في زمنه ؟ فلماذا ينكر البعض موسيقى الهيب هوب اليوم و يعتبرها عامل تغريب ؟ ألأنّها تجاوزت صفة الموسيقى لتصبح ثقافة و أسلوب حياة و وسيلة تعبير عن الذات ؟ ألأنّها ثورة على المألوف شكلا و موضوعا ؟
فلنتناول القضيّة من هذه الزّاوية ؟
ماذا يريد الشباب اليوم ؟ كيف يعيش و فيم يفكّر و بماذا يحلم ؟ هل هو واعٍ بقضايا الأمّة و أزمات المجتمع أم أنّها لم تعد تعنيه ؟ هل ينخرط فعلا في الحفاظ على القيم و الهويّة أم أنّ تهميشنا لخياراته و آرائه و رغباته جعله محبَطا إلى حدّ العِداء ؟
لطالما كان للشباب تفكير خاصّ به يواكب التحوّلات الاجتماعيّة و الثقافيّة العالميّة و لكنّ شبابنا اليوم صار يستوعب الأمور بشكل يجعله يتّخذ مواقف سلبيّة تجاه منظومة المؤسّسات القائمة بداية من الأسرة مرورا بالمدرسة و انتهاء إلى السّلطة . و بات يبحث لنفسه عن فضاءات بديلة يعبّر فيها عن واقعه بأسلوب غير خاضع للأطر الرّسميّة بل مرتكز على عقليّة الاستفزاز بغاية لفت الانتباه لردّ الاعتبار . هذا ما نراه أمام المعاهد و في محطّات القطارات و في الشواطئ و الشوارع عموما ، فشبابنا تبنّى أسلوب الهجرة عن المؤسّسات الأبويّة بمفهومها السّوسيولوجي ليتّجه إلى بدائل جديدة تعبّر عن إحباطه و معاناته و أحلامه نحن فقط من يراها دخيلة و تغريبيّة . ألم يكن اللّباس الفضفاض و إلى زمن قريب جدّا هو اللّباس المحتشم المراعي للخصوصيّة الثقافيّة و الدّينيّة ؟ أننكره حين صار أحد أركان ثقافة الهيب هوب ؟ ألم تكن الكتابة على الجدران أو ما يُعرف بالجرافيتي فنّا متّبعا منذ الرّومان ؟ و هو ثاني أركان ثقافة الهيب هوب ، أمّا حلقات الرّقص في الشوارع فما الغريب فيها ؟ ألا تشهد شوارعنا المغاربيّة تظاهرات ثقافيّة يتّسم بعضها بطابع ديني على مدار السّنة في إطار " خَرْجَة " هذا الوليّ الصّالح أو ذاك و تقرع الطبول و تعلو أصوات المزامير و ينشد المريدون و يرقصون في الطرقات ؟ فحلقات الرّقص أو ما يُعبّر عنه " البريك دانس " هي ثالث أركان ثقافة الهيب هوب

ماذا بقي بعدُ ؟ كلمات الأغاني ؟ المواضيع المطروحة ؟ ما هي إلاّ صدى لواقع الشباب و همومه و عذاباته و أحلامه و إحباطه ، كلمات خام دون تنميق إلاّ أنّها تخضع لقافية داخليّة و تتطرّق إلى الهجرة و البطالة و الإرهاب و الفقر و أوضاع المهاجرين و التمييز العنصري ... فهل ترون فيها ملامح تغريب ؟ أيمكن لشابّ محشور في قارب هجرة غير شرعيّة لا وثائق له و لا مال الفقر و البطالة وراءه و البحر و المجهول أمامه ، أيمكن أن يتغنّى بسحر القمر و جمال الرّبيع و عيون الحبيبة ؟
في كلّ الأحوال نحن أمام ظاهرة فنيّة ثقافيّة تقاوم بإصرار لفرض ذاتها ، لا أحد يجزم بأنّها القناة الأفضل لتعبير الشباب عن غضبه و لكنّه شكل من أشكال التعبير الممكنة التي استهوت الشباب و اعتمدها كمكبّر صوت لنقل معاناته . لقد اختلطت أوراق مجتمعاتنا الحديثة بين غزو إعلامي و ثقافي فرضه نظام العولمة و ليس بإمكان أحد صدّه و بين ثقافة تقليديّة متجمّدة بتنا نخشى عليها دخول متحف التاريخ و المعادلة صعبة بين مواكبة الحداثة و بين الحفاظ على الهويّة دون الذوبان في الآخر و ما ممارسة شبابنا للهيب هوب سوى انعكاس طبيعيّ لصراع الهويّة و البحث عن الذات و صراع التغيّرات السّوسيو ثقافيّة و السّوسيو اقتصاديّة و هذا ليس بجديد بل هذا ما شهدته كلّ فترات تاريخ الإنسانيّة ، لكلّ عصر تقليعاته و موضاته التي تتفاعل مع متغيّراته . ألم يشهد الغرب في عشرينات القرن الماضي ما سمّي بالسّنوات المجنونة ؟ ألم تحمل الستّينات موضة التنّورة القصيرة ثمّ طالت ثمّ عادت فقصرت من جديد ؟ ألم يلبس العالم بأسره في السّبعينات سراويل الشارليستون ؟ ألم تتوالَ على البشريّة أصناف و أشكال من الموسيقات و الإيديولوجيّات و مدارس فنيّة مختلفة في المسرح و الرّسم ... و الأمثلة عديدة
فلنترك الشّباب يعبّر و لا نخشى على ثقافاتنا العتيدة فالأصيل لا يموت
.

9 commentaires:

AntikoR a dit…

... فالأصيل لا يموت

و نزيدك .. الكبير لا يتزعزع

WALLADA a dit…

فعلا أنتيكور

أيا الحمد لله كي فكّيت لي عقدتي و كتبت تعليق ههههههههه فمّة أنونيم من الجماعة الّي في بالهم قاعدين أنونيم قالّي " زيرو كومنتار " و غاب على عقله المعطّب أنّ صفر كومنتار خير من صفر إنتاج كيف حاله

ART.ticuler a dit…

لقد كتبت تعليق/ تدوينة أرجو أن تتكرمي بزيارة مدونتي :-)

WALLADA a dit…

سعيدة بالدعوة آرت

أيا حضّر شويّة حلويّات هاني جاية

brastos a dit…

هايلة المقاربة يا ولاده
الفن (الموسيقى خصوصا) هو التعبير الثقافي الوحيد تقريبا اللي ما يحتملش النمذجة السلبية و التصنيف الاخلاقوي .. نظرا لالتصاقو بجانب التلقائية فينا

الرضيع وقت اللي يسمع ريتم .. يبدا يشطح في بلاصتو و تظهر على تقاسيم وجهو علامات الانشراح

WALLADA a dit…

أهلا براستوس

فعلا للموسيقى تأثير كبير
يقول إفلاطون : " إنّ النّفوس إذا تعبت خمدت نارها فإذا سمعت الأصوات الحسنة اشتعل فيها ما خمد "

WALLADA a dit…
Ce commentaire a été supprimé par l'auteur.
ART.ticuler a dit…

@ Brastos
لا اتفق معك تماما ..صحيح أن الموسيقى هي لغة عالمية لكنها تبقى في آخر الأمر تعبير ثقافي كغيرها من التعابير الثقافية .. قد تصل إلى مستوى العالمية و اتفاعل معها لكن لن ترتقي إلى مستوى الموروث الثقافي والموسيقي لاي شعب من الشعوب ..يبدو من خلال هذا الكلام انني موغل في الانغلاق على المحلي لكن أعتقد أن التفاعل مع الآخر يشترط شرطا بديهيا ليتم التفاعل (وليس الذوبان) أن أكون موجودا !
هل يمكن الحديث عن التفاعل بين ثقافة فاعلة وأخرى محنطة ؟ هل التفاعل يعني تقليد الآخر ؟
رأيي هو أن التفاعل يتطلب أولا أن أكون فاعلا في التاريخ وليس مفعولا به..
لا يمكن أن نبتعد بهذا الموضوع (الموسيقى) عن الاطار العام الذي تتنزل فيه كل الموضوعات ذات الصلة والذي يمكن تسميته من باب التبسيط ، باطار الأصالة والمعاصرة ..
لكي أكون معاصرا بمعنى حداثي علي أن أعي موروثي الثقافي ..عليا أن أفهم من أنا (أيضا موسيقيا ) لاتفاعل مع الآخر لان الوعي هو شرط أساسي في كل عملية خلق والانفتاح على الآخر ليس هدفا في حد ذاته ،بل لإثراء المعرفة وخلق أفاق جديدة وهذا لن يتم بذات مسلوبة الارادة وفاقدة لحب المعرفة ..
إنفتاح أوروبا على العالم الاسلامي ممثلا في الأندلس في القرن 14 وال-15 لم يكن إنفتاح من أجل التقليد بل من أجل المعرفة ..لم يأخذوا آلة العود لينظروا إليها بل ليطوروها إلى الآلات الموسيقية التي نعرفها اليوم..كالكمنجة مثلا..
هذا هو الفرق بين التقليد و التفاعل : حب المعرفة والوعي التاريخي ..
لانو فقط الوعي هو إلي يخلق إبداع أما التقليد فيؤدي إلى خلق نسخة "ماسطة" من الأصل ..
أعتقد أن الوصول إلى العالمية سواء على مستوى الموسيقى ،السينما ،أو بقية الفنون يمر حتما بالوعي بالموروث الثقافي ومعالجته في إطار نظرة تأريخية وليس تقديسية للماضي وفهم أين نقف نحن من التاريخ ..
ما نراه اليوم من "فنون" هي نتاج فكري لفلسفة في الحياة ترتكز أساسا على الانسان والحرية في حين وقع إسقاط هذه الفنون في مجتمعات لا يزال القضاء والقدر اللاعب الاساسي في علاقتها بالعالم من حولها..
هذا يؤدي إلى حيرة حضارية وسط غزو ثقافي و محاولات من كل الدول الكبرى فرض لغاتها وثقافتها على بقية الشعوب ..
روسيا ،الولايات المتحدة ، بريطانيا،فرنسا..إيطاليا ..كلها أسست قنوات تلفزية موجهة للعالم العربي باللغة العربية.. وبكلها تتقاتل كي تفرض ثقافتها و أيضا مصالحها علينا فلا يعقل في ظل هذه المعطيات الواقعية أن أفتح "السوق" للسلع الأجنبية(للاسف يبدو الأمر كذلك) في الوقت الذي يستلزم الأمر الاشتغال على المحلي والذاتي والخروج من حالة "البهتة" الحضارية للتفاعل مع الوارد وإلا فان النتيجة الوحيدة هي المزيد من الضياع وسط عالم تحكمه قوانين لازلنا نعتقد أنها من صنع الآلهة !
إن إندثار الثقافات واللغات (حتى وإن كانت لغة القرآن وكانوا لها حافظون) والحضارات ليس بالامر العسير أو الذي يصعب تخيله ..والتاريخ مليء بالامثلة...
إن الدعوة للانفتاح على الآخر وعدم الانغلاق هي كلمة حق أريد بها باطل ..فالمدعو حقا للانفتاح على الآخر هي "الثقافة المسيطرة حضاريا " على ثقافات الشعوب الأخرى التي تختلف عنها والاعتراف بها كشعوب وليس ككائنات مكانها متحف التاريخ ..
الذي يدعو إلى الانفتاح عليه أن يرى كم ادخلت فرنسا من كلمة أنقليزية إلى منجدها.. وكم تنفق من أموال من أجل إشعاع لغتها وثقافتها .. الكاتب الجزائري رشيد بوجدرة ذكر في كتاب "فيس الكره"* إلا أن الاستعمار عاد من خلال أول صحن لاقط وضع فوق أسطح البيوت في الجزائر "
علينا أن ننظر إلى الامور من هذا الاتجاه أيضا لان طرح قضية الموسيقى هكذا في المطلق يؤدي بنا إلى نتائج لم نكن نتوقعها ..

مع لفت الأنتباه إلى أن المحلي هو باب خروجنا إلى العالم وليس ولا يجب أن يكون باب دخولنا و هروبنا من العالم ومن الآخر.

brastos a dit…

ارت .. تفاعلت معاك في التدوينه هاذي

http://kahaw.blogspot.com/2009/12/blog-post_24.html