lundi 31 octobre 2011

هل كانت ثورة ثقافيّة ؟

مقالي الصادر بجريدة " المغرب " عدد الأحد 30 أكتوبر2011



فلنصارح أنفسنا و لنجابه الحقيقة العارية. لقد اندلعت في صفوف فئات عانت عقودا من الفقر و الجوع و البطالة و التهميش، و كان أهمّ شعار رُفِع خلال المظاهرات الأولى " التشغيل استحقاق يا عصابة السرّاق " فالقوم هنا انتفضوا عندما كلَّ حِملهم ممّن سرق الثروات و عطّل الشباب عن العمل. و هذا أشبه بانتفاضة علي بن غذاهم ضدّ المكوس و الجباية. لا أذكر أحدا ثار من أجل تشويه الثقافة و أعلامها أو تهميش المعرفة و تجفيف منابعها أو توجيه الإعلام لخدمة النّظام أو التضييق على الفنون أو تهجير الأدمغة و الكفاءات... بل لا أذكر شعارا واحدا رُفِع في هذه المجالات. حين قال بعض الأجانب إنّها " ثورة جياع " كابرنا و ثار فينا الصّلفُ و غضبنا و رفضنا التوصيف الجارح لكرامتنا، رغم أنّه كان فينا مَن احتفل بنهاية السنة الإداريّة و تبادل الهدايا و التهاني و دماءُ بعض الأهل تسيل في داخل البلاد. حين اتّسعت رقعة الغضب و جوبهت بقمع أشدّ ، توجّسنا أنّ الأحداث يمكن أن تتمخّض على انتفاضة جادّة تعيد للأذهان حوادث 26 جانفي 1978 حينها التحقت بها النّخب و ألبسَتها لبوسا مثقـَّفا ممنهجا  و صدّقت نفسَها و الادّعاءَ بعد أن نضجت حبّة القسطل و امتدّت إليها يدُ القطّة و لم يبق على المثقفين و الأكاديميين و "المحلّلين" و كم تكاثروا إلاّ أن يزيلوا قشرتها و يلتهموها، فصارت ثورةَ الكرامة و نادت بحريّة التعبير. لكنّ الفقير بقي فقيرا و العاطل ظلّ عاطلا و السّارق لم يُحاسَب و القاتل لم يُعاقَب و لم تحدث الرجّة الفكريّة التي هي في نظري أهمّ من طرد الأشخاص و استبدالهم بآخرين ، فبقيت العقليّات على حالها.
فلا عجبَ أن يتعامل ناخِبٌ مع ورقة الاقتراع بعلامات الفوز و الهزيمة و التعادل كما يفعل بقسيمة التنمية الرياضيّة، ألم يَعْمَدْ النّظامُ السابق طيلة عقدين إلى دفع ثقافة الملاعب و تهميش المعرفة ؟
و لا غضبَ أن يُحدِثَ وَعدٌ بخروف فارقا انتخابيّا.
إذا كان المستوى التعليمي للتلميذ في انحدار متواصل مع فقدان شغفَه بالدّراسة، و ظلّ المُعلـِّمُ متمسِّكا بلغة صعبة مترفـِّعة و أسلوب تلقين جافّ فإنّ هناك خللا في بيداغوجيا التواصل. هذا ما لم تدركه بعضُ النّخب السياسيّة فكان مشروعُها حداثيّا واعِدا لكنّه جاء بعيدا عن مشاغل المواطن الكادح. في حين لوّن البعضُ الآخرُ خطابَه بلون المتلقِّي، تنقّلوا في السيّارات الفخمة إلى المناطق المرفَّهَة و تكلّموا باسم الديمقراطيّة و الحريّات الأساسيّة و حقوق الإنسان ... لكنّهم عندما التحموا بالجماهير في المناطق الفقيرة ساروا مترجّلين بهندام بسيط متواضع و غيّروا خطابَهم باتـّجاه التركيز على العدالة في توزيع الثروة و قدّموا الوعود بالرّعاية الصحيّة و بتحسين المقدرة الشرائيّة و غلّفوا كلّ هذا بوازع الأخلاق و المعتقد، بل و مرّوا مباشرة إلى الخطّة العمليّة بتقديم المساعدات. سَمِّـه ما شِئـت، تلوّنا ، مغالطة ، تلاعبا بالمشاعر العامّة ... تلك هي السياسة. و صناديق الاقتراع قالت كلمتَها الفصل.
و إنّه لمن الغرور، في ثورة الغضب ، نعتُ الشعب الذي اختار بالجهل و الوضاعة، فالحكمة السياسيّة تقتضي اليوم إعادة القراءة في أساليب العمل و لغة الخطاب و أنماط التعاطي مع القواعد الجماهيريّة. و الثورة التي لا تغيّر العقليّات لا يمكن أن تحرّر الإرادة و لا أن تحسّن علاقة الشعب بممثـِّليه. فلـنُـفِقْ لأنّ بلادنا مازالت بحاجة إلى عمل طويل و مُضنٍ للارتقاء بها إلى درجة النضج الثقافي و الوعي السياسي بدءًا بتقديس المعرفة.

2 commentaires:

Hnani a dit…

الثورة التي لا تغيّر العقليّات لا يمكن أن تحرّر الإرادة و لا أن تحسّن علاقة الشعب بممثـِّليه
هذا هو صلب الموضوع صديقتي

WALLADA a dit…

فعلا صديقتي ، و ما لم تتغيّر العقليّات و تتبنّى منظومات حداثيّة جديدة ، فالبلد هنا قائم ، و الثورة كانت واقعا ما من شكّ و لكنّ كلّ الباقي ديكور ، ديكور بنفسجي أو أحمر أو كثيف الشعر أو عار تماما ... المهمّ أنّه لا يعدو أن يكون ديكورا.