" لو كان للشّجر حقّ الاختيار لآنقلب الشّجر طيرًا ، أغادر تونس غدا صباحا ، إلى اللّقاء في حياة أخرى مع كلّ الودّ و الاحترام سيّدتي "
قرأتُ الرّسالة في ذهول و أعدتُ قراءتها مرّات ، ثمّ دَسَستُها في جيب إزاري و قد غمرني اضطراب شديد و شعرت بجفاف في حلقي . سألتُ مدير المعهد و كرّرتُ السؤال " هل قال شيئا حين سلّمكَ الرّسالة ؟ هل أفصحَ عن وجهته ؟ "
لا جواب . كان عليَّ أن أهرَعَ لألحَقَ به و أردعَه عن عزمه غير أنّي لا أعلمُ له مقرًّا . لقد عزم على مغادرة البلد و عزمه لا مردّ له .
" أنا لم أختر وضعي و لا وطني ، فما يمنعني اليوم من تبديل هذا و ذاك ؟ ضاق بي الثّابتُ الذي لا يتحوّل فما رأيُكِ في قطعة من جبل بَـْرقو و ضفّة من الدَّانُوبْ و شَلاّل من نيَاقـارا و زوجة من الصّين و مواطنين من كلّ دين ؟ ..."
هو شابّ قارب الثّلاثين نزَحَ إلى العاصمة و لا أهلَ له فيها و التحق بالمعهد هذا العام في صيغة مُعَوّض لأستاذة في عطلة مرض طويل الأمد ، تصارع مع " الكاباسْ " سنوات و سنوات فصَرَعَته و أصرَّتْ على عدم التحاقه بسلك التعليم فرَضِيَ بالتّعويض يرتاد مكاتب الوزارة كلّ يوم يسأل إن كان هناك أستاذ متغيّب في هذا المعهد أو ذاك ليحلّ مَحَلّه لمدّة مُحدّدة . و إذا شحّت فرص التّعويض كان لا يتوانى عن طرح أستاذيّته في اللّغة العربيّة جانبا ليعملَ بنّاءًا و بائعا في مطعم رخيص و صبيّ بائع ملابس مُستعملة فالأهل في " البْلادْ
" يحتاجون المال و يكفي ما أنفقوا على دراسته .
لمَستُ في الفَتَـى إصرارًا فقدّمتُ له الدّعم قدر ما استطعت ، كان كلّما شكرني على صنيعٍ ما أقول له " لا تُـرَاعِ شَرُّ البلاد مكانٌ لا صديقَ به " فيُصرّ على تحريف بيت المتنبّي " بل شرّ البلاد مكان لا عَمَلَ به " اليوم بعد عودة الأستاذة المتغيّبة منذ ثلاثيّتيْن عاد شبَحُ البطالة يتهدّده من جديد . يبدو أنّه قرّر الهجرة . فكَمْ سيُهاجرُ من شابّ بَعْدُ ؟ و كم سيُغادر من عقل ؟ و إلى متى سيستمرّ النّزيف ؟
لمَستُ في الفَتَـى إصرارًا فقدّمتُ له الدّعم قدر ما استطعت ، كان كلّما شكرني على صنيعٍ ما أقول له " لا تُـرَاعِ شَرُّ البلاد مكانٌ لا صديقَ به " فيُصرّ على تحريف بيت المتنبّي " بل شرّ البلاد مكان لا عَمَلَ به " اليوم بعد عودة الأستاذة المتغيّبة منذ ثلاثيّتيْن عاد شبَحُ البطالة يتهدّده من جديد . يبدو أنّه قرّر الهجرة . فكَمْ سيُهاجرُ من شابّ بَعْدُ ؟ و كم سيُغادر من عقل ؟ و إلى متى سيستمرّ النّزيف ؟
3 commentaires:
يعني الواضح و اللي يتفهم من قراءة التدوينة انو مسافر بطريقة شرعية موش حرقة.
ربي يكون في عونو، نرى أنو محاولة ردعو تبدو زايدة... بل بالعكس كل ما يتمناه المرء له هو التوفيق
الهجرة و العمل بالخارج بات مطمع الجميع، البطالة و الخدامة على حد السواء.... الله غالب
يا ولاّدة هذا حال آلاف مؤلفة من الشباب التونسي ونشوف انّو الهجرة تنجّم تكون حلّ في برشة احوال ونشاء الله ربي معاه ومع كلّ واحد في نفس الوضعية
الفقر في الوطن غربة والمال في الغربة وطن وانا اقول الذل في الوطن غربة والكرامة في الغربة وطن.ولادة انا لي صديق عزيز كان استاذا مترسما في تونس غير انه هاجر الى فرنسا و تزوج من فرنسية و هو يعمل الان عاملا في مغازة .هو يرى ان العمر قصير و لا يريد ان يفنيه مقيدا مراقبا في وطنه
Enregistrer un commentaire