أعلم أنّي لن آتِيَ بجديد ، في الحقيقة هذا مقال ذو صبغة أكاديميّة أستهدف به تلميذا لي سألني اليوم بشكل انفراديّ " أستاذة ، ما معنى لوحة أو قصيدة سرياليّة ؟ " صبيّ صغير مجتهد في صفّ الثامنة من التعليم الأساسي مولع بالاطّلاع و الأنترنات و هو أحد روّاد مدوّنتي . فوعـدتُه بتدوينة في الغرض .
كثيرا ما يتأثّر الفنّ بظروف عصره من تحوّلات سياسيّة و اقتصاديّة و اجتماعيّة و ثقافيّة و ظروف البيئة و المناخ و العوامل الطبيعيّة و هذا ما يفسّر نشأة التيّارات الفنيّة التي صنّفها النقّاد و أهل الاختصاص إلى :
الكلاسيكيّة – الرّومنطيقيّة – الواقعيّة – الانطباعيّة – الرمزيّة – التجريديّة – التكعيبيّة – الوجوديّة – التأثيريّة – الدّادائيّة – السّرياليّة – العبثيّة – المستقبليّة ...
ظهرت الحركة الدّادائيّة خلال الحرب العالميّة الأولى عندما أعلن الشّاعر تريستان تزارا عن ولادة الدّادائيّة في زيوريخ سنة 1916 ثمّ انتقلت إلى فرنسا و أقطار أخرى لتبلغ ذروتها في 1919 . تواتر في كتابات تزارا معجم الحرب و خرج بشعر عشوائيّ لا انسجام فيه إلاّ ما جاء مصادفة
يقول تزارا " كيف تصنع قصيدة دادائيّة ؟
خذ جريدة
خذ مقصًّا
اقطع منها مقالا
ثمّ قصّ الكلمات التي كوّنت المقال منعزلة عن بعضها و ضعها في كيس
خضّها جيّدا
بعد ذلك خذ كلّ أقصوصة واحدة تلو الأخرى أنقلها على الورق و ستمثل القصيدة أمامك
و ها أنتَ الآن كاتب أصيل حتّى لو لم يتذوّق قطيعُ الرّعَاع قصيدتك
"
و لكن سرعان ما تلاشت الدّادائيّة بسبب موقفها الرّافض لكلّ شيء حتّى نفسها فقد كانت نتاج روح عَدَميّة أفرزتها الحرب ، كانت فوضويّة عبثيّة عدوانيّة ترى أنّ كلّ شيء زائف فدعَتْ إلى إلغاء التقاليد و المدارس الأدبيّة و الفنيّة القديمة المتكلّسة ، و هاجمتْ المنطق الذي ثبت لها أنّه الأساسُ المأساويّ للفعل ، كما هاجمت الفنّ الذي فرَّ إلى برجه العاجي و ترك العالم ينهار من حوله . لقد كانت الدّادائيّة احتجاجًا ضدّ المجتمع ، ضدّ القيم الدينيّة و الأخلاقيّة ، ضدّ اللّغة و الثقافة ، ضدّ الأنظمة التي ساهمت في ما أحدثته الحرب من دمار و إبادة و فوضى. هذه الحركة التي انبثقت من أحشاء مجتمع تنهشه الحرب آمنتْ بأنّ المجتمع الذي ينتج الحرب لا يستحقّ الفنّ
و لكن سرعان ما تلاشت الدّادائيّة بسبب موقفها الرّافض لكلّ شيء حتّى نفسها فقد كانت نتاج روح عَدَميّة أفرزتها الحرب ، كانت فوضويّة عبثيّة عدوانيّة ترى أنّ كلّ شيء زائف فدعَتْ إلى إلغاء التقاليد و المدارس الأدبيّة و الفنيّة القديمة المتكلّسة ، و هاجمتْ المنطق الذي ثبت لها أنّه الأساسُ المأساويّ للفعل ، كما هاجمت الفنّ الذي فرَّ إلى برجه العاجي و ترك العالم ينهار من حوله . لقد كانت الدّادائيّة احتجاجًا ضدّ المجتمع ، ضدّ القيم الدينيّة و الأخلاقيّة ، ضدّ اللّغة و الثقافة ، ضدّ الأنظمة التي ساهمت في ما أحدثته الحرب من دمار و إبادة و فوضى. هذه الحركة التي انبثقت من أحشاء مجتمع تنهشه الحرب آمنتْ بأنّ المجتمع الذي ينتج الحرب لا يستحقّ الفنّ
أمّا السّرياليّة فقد خرجت من رَحِمِ الدّادائيّة و استمدّت تصوّرها من سيكولوجيّة فرويد [ اللاّشعور و العقل الباطن و الأحلام ] و ظهرت سنة 1919 و نضجتْ في العشرينات . و من مبادئها أنّ الحقيقة لا توجد إلاّ في اللاّشعور و اللاّوعي لذلك تعتبر الفنّ نابعا من الفوضى و الهذيان و من المُنظّرين لهذه المدرسة الفرنسي أندريه بريتون ، و من روّاده أيضا الشّاعر لويس أراغون ، و جون كوكتو و ڤيوم أبولينير الذي كان يقول :
يا أعماق الشّعور
سنُنَقِّبُ فيكِ غدًا
و مَن يدري أيّ كائنات حيّة
ستبرزُ من هذه الهاويات...
أمّا رَامْبُو فكانَ يعتمد اللاّوعي في بناء قصيدته فاعتبره بعضُهم أبَ التيَّار السّريالي . هكذا تَحَلّلت هذه المدرسة من الواقع بل أنكَرَته كليًّـا و عَدَّته " زَائِفا كلَّ الزَّيْف " فشوّهَتْ مَعَالمَه و لم تَكَد تُبقي منه على أثَرٍ .
أرجو بُنَيّ أن أكون قد أجبتُ على تساؤلك الذي أسعدني مع تشجيعي لك على مزيد البحث و الاطّلاع سُـمُـوًّا بعقلك عن عالم الرّداءة
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire