هل شاهدتم من قبل عصفورة خارج القفص ، تطير و تتنقّل في أرجاء الغرفة دون أن تفرّ حتّى و إن كانت النّافذة مفتوحة ؟
عصفورة اليوم كذلك . تظلّ طيلة النّهار بانتظار صاحب الغرفة حين عودته في المساء . تحطّ على كتفه ، ترفرف فوق رأسه ، تزقزق و تشدو بأرقّ الأصوات ، يفتّت لها حبّات الجوز و يمرّر إصبعه على ريشها النّاعم و يناجيها ببضع الكلمات ثمّ يقول " دعيني الآن فلديّ عمل كثير." فيخمد تغريدها و تنتحي ركنا من الغرفة و تقنع بصاحبها حاضرا غائبا . كان ينسى وجودها ليال كثيرة أو هكذا اعتقدتْ ، فتراكم لديها إحساس بالغبن و سكت منها النّغم .
ذات مساء مشؤوم رجع صاحب الغرفة متعبا تثقله الهموم و ناداها " عصفورتي عزيزتي تعاليْ فبي شوق إليك ". صوّر لها غرورها أنّ اللّحظة حانت لتثأر لأمسيات الوحدة و الحرمان و كانت واهمة ، وحده الموج يمارس حركة المدّ و الجزر أمّا في الحبّ فالمدّ يرافقه مدّ و الجزر دونه جزر .
و كأنّ الرّجل كان ينتظر نفورها ذاك . أخذها بين يديه و أطلقها في فضاء الحديقة ثمّ أغلق دونها النّافذة . نقرت الزّجاج و توسّلت و أرسلت له اللّحن تلو الآخر في استعطاف يرقّ له الصّخر و لا مجيب .
حين انسدلت عباءة اللّيل على الحديقة تراءى لها وميض عيون القطط الشّريدة تظهر و تختفي ، كانت ليلة باردة طويلة . عند الصّباح ، انكشفت لها حقيقة لم تدر كيف غابت عنها ، فصاحب الغرفة يعيش وحيدا لذات السّبب ، كانت الدّنيا تريد امتلاكه و كان يريد امتلاك نفسه . حينها فقط أدركت أنّها خيّبت ظنّه و لكنّها اصطنعت عشّا في ركن خارجي من النّافذة و عاشت الأيّام تنتظر . كانت كلّ مساء تتابع خياله من خلال الزّجاج و تأمل أن تنفتح النّافذة إذا أقبل الرّبيع .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire