كنتُ منذ فترة قد نشرتُ تعبيرا إنشائيًّا لأحد التلاميذ في موضوع العمل . و ها أنا أنشر تحريرا جديدا لتلميذ آخر يقف على طرف النّقيض في أسلوبه و أفكاره و لغته و منهجيّة الحجاج فيه . و أكثر ما شدّني إليه عقلانيّة التّحليل و اعتداله
و سلامة العبارة و سعة الاطّلاع قياسا لسنّه و للمستوى العامّ .
كنت قد كلّفت التلاميذ بإنتاج كتابيّ يتناول نظرتهم الخاصّة للحرب مدعّمين رأيهم
بالتحليل و الحجّة ، فكتب أحدهم
ليس يُحزنني أكثر من الذين يفتّشون عن داء المَدَنيَّة في مَفَاصلها و يبتدعون لها العقاقير الاقتصاديّة و الاجتماعيّة و السّياسيّة و داؤها في رأسها و قلبها . و ما طبُّ الاقتصاديين في أزمتهم بأنجَعَ من طبّ زملائهم السّياسيين في استئصال داء الحرب ، فهؤلاء يصرفون السّنين في عقد المؤتمرات لتخفيض السّلاح و التّطبيل للسّلام ، و الحرب لو يعلمون لا تستَعِرُ نيرانُها في أجواف المدافع بل في قلوب النّاس و عقولهم و السّلمُ لا يُولدُ في المؤتمرات الدوليّة بل في قلوب النّاس و عقولهم أيضا . ما أبلغَ قول الشّاعر
هلِ الحروبُ سِوَى وحشيَّةٍ نَهَـضَتْ - في أنْـفُـسِ النّاسِ فانـقَادَتْ لها الدُّوَلُ
هلِ الحروبُ سِوَى وحشيَّةٍ نَهَـضَتْ - في أنْـفُـسِ النّاسِ فانـقَادَتْ لها الدُّوَلُ
فـهُمْ لو دمَّروا كلّ أساطيلهم و سَكُّـوا مُدرَّعاتهم مَحَاريثَ و حوّلوا ثـكناتهم إلى جامعات و مدارسَ لما تخلّصوا من الحرب . غدًا تنـفَذُ مصادر الطّاقة من نفط و غاز و كهرباء و ستجفّ الموائد المائيّة و سيزداد المحيط تلوُّثا و لن يبقى سوى الأسلحة و جَشَع الإنسان في الثّراء و السّيطرة و النّفوذ .
فمتى يستفيق البعض الذي يرى أنّ الحرب ضرورة لاستتباب أمنهم و استقرارهم ، و يقيني أنّهم يُجانبون الصّواب فيما ذهبوا إليه . ذلك أنّ الحرب عنف و دمار مهما تكُنْ مُبَرّراتها ، فأيُّ أمنٍ هذا الذي يقومُ على ترويع الأبرياء و يستهدف الأطفال و المدارس و الملاجئ و دُور العبادة و المتاحف ، بل أيّ استقرار ينهضُ على سَلب الشّعوب حقّها في الحريّة و الكرامة و تقرير المصير و يدفع شعوبا أخرى في سباق جنونيّ نحو التسلّح . و إن شِئتَ فَـلُـذْ بشَوَاهِدِ التّاريخ تَـجِدْ مِصْدَاقَ قولي : هذا القرنُ العشرون يُطالعُنا بحربَيْن كونيّتيْن هائلتيْن ، و ظهرت فيه حركات فاشيّة حطّتْ من آدَميَّة الإنسان ، و شَـهِدَ قنبلتيْن ذريّتيْن أحرقتا الأخضر و اليابس ، و لم تضَعْ الحرب العالميّة الثانية أوزارها بَعدُ إلاّ و قد كان كبار الضبّاط النّازيين مُدَانينَ في أشهر محاكمة يشهدها القرن بمدينة قوتنبرغ ، و لم يَنتصِف القرنُ حتّى برَزتْ منظّمة الأمم المُتّحدة . فهل استطاع البَشَرُ بعد هذا كلّه أن يَنعَموا بالأمن و الاستقرار ؟ لعلَّ الأطمَاعَ الاستعماريّة زادَتْ شَرَاهَة و شَراسَة ، فتفَـشَّتْ الحروب الأهليّة و النّزاعات العرقيّة و الصّراعات الدينيّة و غذّتها الأطماع الاقتصاديّة و وُظِّـفَ لها الإعلامُ أسْـوَأ استخدام . فلا عَجَبَ أن تتـقهقرَ بلدانٌ كثيرة و تُـتلفَ في مدَّة وجيزَةٍ ما أنفقَتْ في بنائه سنوات طويلة من الجهد و المال . صَدَقَ المَثَلُ البولوني حين قال " خبزٌ ناشِفٌ زمنَ السّلم أفضَلُ من اللّـحْمِ في زمَنِ الحَرب "
حَـرِيٌّ بنا إذن أنْ نُدِينَ الحرب و صانعيها و ألاّ تغيبَ عنَّا حقيقة بديهيَّة و هي أنّ الحربَ هَدمٌ لحضارة الإنسان . و يبقَى الخوفُ على مَصير البشريّة قائمًا مادامَ البعضُ يَرَى بقاءَهُ في فَنَاءِ غيرهِ ، و لا حَلَّ في اعتقادي إلاّ بتربيَة العُقول الصّغيرة على نَبذِ العُنف و قَـبُول الاختلاف في تعَاملنا مع الآخَر و الرَّأيُ عندي أنّها مسؤوليّة أجهزة التّعليم و الإعلام.
حَـرِيٌّ بنا إذن أنْ نُدِينَ الحرب و صانعيها و ألاّ تغيبَ عنَّا حقيقة بديهيَّة و هي أنّ الحربَ هَدمٌ لحضارة الإنسان . و يبقَى الخوفُ على مَصير البشريّة قائمًا مادامَ البعضُ يَرَى بقاءَهُ في فَنَاءِ غيرهِ ، و لا حَلَّ في اعتقادي إلاّ بتربيَة العُقول الصّغيرة على نَبذِ العُنف و قَـبُول الاختلاف في تعَاملنا مع الآخَر و الرَّأيُ عندي أنّها مسؤوليّة أجهزة التّعليم و الإعلام.
14 commentaires:
...رائع
!!!رائع
قدّاش عمرو بربي الكاتب؟؟
طارق
أهلا بك ، هذا تلميذ سنة تاسعة يعني 14 سنة
14 ans .. le systeme n'est pas totalement dysfonctionnel donc ! y a de l'espoir
bon a part la ptite gaffe sur Nuremberg, c vraiment une excellente redaction! 3ana mdida 3la hal mostawa!
wawwwwwww
c impressionnant!!!!
est ce que les citations qu'il a utilisé ont été vu en cours ou est ce qu'elles sont issues de ses lectures personnelles ?
Wallada
Juste une ptite question b rabby
Ce devoirs, est un homework ou est-ce qu'il a été réalisé en classe
14 ans... demandes a cet éleve de creer un blog
c'est vraiment excellent
C'est fort, si fort...
مرحبا بكلّ أصدقائي
في الحقيقة لم أشأ أن أقول أنّه لم يكن سهلا أن أرتقي بمستوى القسم لغة و تعبيرا و استخداما لتقنيات الحجاج فكان لابدّ من الثلاثي الأوّل كاملا لهذا الهدف ، فإذا التقى مجهودي بتلميذ ذي تكوين مسبق و رغبة في المعرفة نحصل على هذه النتيجة
بعض الحجج التي يعتمدها التلاميذ هي مساعدة منّي خلال الحصص لإثراء زادهم ، مع العلم أنّ هذا الموضوع كان إنجازا حضوريّا في القسم أتولّى إصلاحه في البيت
بنت عايلة
من باب احترام حقوق التّأليف حتّى كان لتلميذ لا ألّف كتاب و لا نشره و لا قبض حقّه ، أنا تعوّدت كي ننقل تعبير لتلميذ من التلامذة ننقله بكامل الأمانة و ما نغيّر فيه شيء حتّى أخطاؤه
هيّا باهي كي رجّعت هزّيتلنا المورال .. بعد غريبة المرة اللي فاتت
بربي و من غير احراج قداش خذا عليه ؟
المجهول 17
هذا تحرير في إطار التّدريب على الإنشاء و ليس امتحانا ، أي لا يُسند له عدد ، فالإمتحانات لم تحن بعد إذ أنّنا عدنا من العطلة منذ أسبوع فقط
تحيّاتي
أفحمنيييييييييي ... يعطيه الصحة ... شيء يطلع المورال بعد هاك الموضوع متاع المرة الأخرى
هايل.. شيء يعمل الكيف..
ولاّدة .. عندي فضول.. هل بالإمكان تقولنّا المستوى متاع والدي هذا التلميذ ؟؟ أنا من الناس الّي تؤمن بأنّ المدرسة الأولى هيّ الدار
Enregistrer un commentaire