dimanche 18 janvier 2009

و لا عـزاء للأمّـهــات

تمّ ليلة أمس إعلان إسرائيل وقف إطلاق النّار . بصراحة شديدة ، لم أفرح . لم أفرح بل على العكس شعرت بكثير من الهوان و مرّت عليّ ليلتي طويلة باردة و سؤال جبّار يضرب رأسي كالمطرقة " و ماذا بعد ؟ " أكان يجب أن تُدفَعَ دماء الأطفال ثمنا للتّواطئ و الانقسام و الصّفقات تُمَرَّرُ من تحت الطّاولة في هذه القمّة و تلك ؟ أكان ضروريّا أن تُعقَدَ المؤتمرات و النّدوات و تعمر الفنادق و تنشط حركة الطّيران و يرسل بن لادن "كلمته التاريخيّة العظيمة " و يموت الأطبّاء و الصّحفيّون و يُعَنَّف المتظاهرون لكي نفهم أنّ العدوّ يضرب متى يشاء و يكفّ يده متى يشاء و يبقى جاثما على الصّدر تماما كما كان منذ ستّين سنة . و بعد كلّ ذلك نعود و نلاقيه في أحد المنتجعات السّياحيّة و نصافحه في اتّفاقيّة سلام جديدة ، بعد ماذا ؟ بعد أن أحرق الأطفال ثمّ قدّم أسفه في استهانة موجعة لإنسانيّتهم و كينونتهم و براءة الطفولة فيهم ؟ أتساءل أيّ نوع من الزّرع ستنبت أرض فلسطين بعد الآن ، ماذا سيكون طعم الثمار بعد أن ارتوت الأرض بدماء الأطفال ، الكلّ يعرف أنّ لديهم ألذُّ مشمش و أكبر برتقال فهل سيكون محصول العام القادم بنفس الطّعم ؟ لا أظنّ . و الأكيد أنّ الأمّهات الثكالى في فلسطين لن يتناولن بعد الآن الثمار و كلّ ما تنبته الأرض ، فالزّرعُ هناك مَروِيٌّ بدماء أطفالهنّ و سماد الأرض هناك أجساد أطفالهنّ . لكلّ أمّ فلسطينيّة فجِعَت بموت صغيرها و اكتوَى قلبُها الرّحيمُ بنار فراقه أقدّم- و لا أقول أهدي فلا هدايا بعد اليوم – هذا القصيد الرّقيق لشاعر تونس أبي القاسم الشابّي و أقول لها لا عزاء لك سيّدتي و لو التأم ألف مؤتمر سلام فقلبك المعذّب لن يعرف برد السّلام

يا أيّها الطفلُ الذي قد كان كاللّحن الجميلْ
و الوردة البيضاء تعبَقُ في غيابات الأصيلْ
يا أيّها الطّفلُ الذي قد كان في هذا الوجودْ
فَرِحًا، يُناجي فتنة الدّنيا بمعسول النّشيدْ
ها أنتَ ذا قد أطبَقَتْ جفنيْكَ أحلامُ المَنونْ
و تطايَرَتْ زُمَرُ المَلائكِ حول مَضجَعكَ الأمينْ
و مَضَتْ بروحكَ للسّماء عرائسُ النّور الحَبيبْ
يحملنَ تيجانًا مُذهَّبَة من الزّهر الغَريبْ

---------------

ها أنتَ ذا قد جَلّلتكَ سَكينة الأبَد الكبيرْ
و بَكَتكَ هاتيكَ القلوبُ و ضمَّـكَ القبرُ الصّغيرْ
و تفرَّقَ النّاسُ الذينَ إلى المقابر شَيَّـعوكْ
و نَسُـوكَ من دنياهُمُ حتّى كأنْ لم يَعرفوكْ

----------------

شَغَلتهُمُ عنكَ الحَيَاةُ و حَرْبُ هذي الكائناتْ
إنَّ الحيَاةَ و قد قَضَيْتَ قبيل معرفة الحياةْ
بحرٌ ، قرارتهُ الرَّدَى و نشيدُ لجَّتهِ شَكَـاةْ
و على شواطئه القلوبُ تَئِنُّ داميَة عُرَاةْ

-----------------

نَسِـيَـتكَ أمواجُ البُحَيْرَةِ و النّجومُ اللاّمِعَهْ
و البُلبُلُ الشَّادِي و هاتيكَ المروجُ الشّاسِعَهْ
حتّى الرِّفاقُ فإنّهمْ لبثوا مَدًى يتسَـاءَلونْ
لكنّهمْ عَلموا بأنّكَ في اللّيَالي الدَّاجِيَهْ
حَمَلتكَ غِيلانُ الظّلامِ إلى الجبال العاليَهْ

-----------------


كُلٌّ نَسوكَ و لمْ يَعودُوا يَذكُرونَكَ في الحياةْ
و الدّهرُ يَدفِنُ في ظلام الموت حتّى الذّكرَياتْ
إلاَّ فُـؤَادًا ، ظـلَّ يخفقُ في الوجود إلى لقاكْ
و يَوَدُّ لو بَذلَ الحَيَاةَ إلى المَنيَّـةِ و افـتَـدَاكْ
فإذا رَأى طفلاً بَكَاكْ و إذا رأى شَبَحًا دَعَـاكْ
يُصْغي لصوتكَ في الوجود و لا يَرَى إلاّ بَهَـاكْ

-----------------

أعَرَفتَ هذا القلبَ في ظَلمَاءِ هاتيكَ اللُّـحُودْ
هُوَ قلبُ أمِّكَ ، أمِّـكَ السَّكرَى بأحزان الوجودْ
هو ذلك القلبُ الذي سيَعيشُ كالشَّـادِي الضَّريرْ
يَشدُو بشكوَى حُزنِـهِ الدَّاجِي إلى النَّفَس الأخيرْ
لا رَبَّةُ النّسْيَـانِ ترحَمُ حزنَهُ و تَرَى شَقَاهْ
كَـلاَّ ، و لا الأيَّامُ تُـبْلي من أناملها أسَاهْ

------------------

هُوَ ذلكَ القلبُ الذي مهما تَقَـلَّبَتِ الحياةْ
و تَدَفَّقَ الزَّمَنُ المُدَمدِمُ في شِعَـابِ الكائنَاتْ
و تَغَنَّـتْ الدُّنيَا و غرَّدَ بُلبُلُ الغابِ الجَميلْ
سيَظَلُّ يَعْبُدُ ذكرَيَاتِكَ لا يَمَلُّ و لا يَمِيـلْ


2 commentaires:

Anonyme a dit…

يعطيك الصحّه يا ولاّدة على ها الكتابة والتعبير. زعمة مازالو برشة أساتذة و مدرِّسين بالمستوى هذا في تونس؟ أنا نقول يا ذنوبي

WALLADA a dit…

سفيان

شكرا على كلماتك الرّقيقة
و اطمئنّ لايزال الخير موجودا