samedi 27 décembre 2008

سنة 2008 ماذا فعَلتِ بي ؟



سنة أخرى تنقضي من عمرنا و من عمر الأرض و من عمر العالم ، سنة أخرى تولّي و تصبح في عداد الماضي بكلّ أحداثها ، سنة أخرى تمرّ فهل نحتفل بعام جديد في حياتنا أم نأسف على عام نقص منها ؟ سنة كانت حافلة بالمُريح و بالمُحزن . سنة ترَجَّلَ فيها فرسَانٌ مُمَيّزون محمود درويش ، يوسف شاهين ، محمّد الشرفي ، هشام العلايمي و القائمة طويلة . سنة سكتت فيها آخر قيثارات الزّمن الجميل حين غادرتنا شبيلة راشد . سنة تابعنا فيها بحزن و انشغال كبيرين حصار غزّة و افتقار أطفالها لأبسط مقوّمات الحياة الكريمة ، سنة نَزَفَتْ فيها منطقة من تونس الجميلة قفصة أرض الثروات ترزح منذ شهور تحت الآلة الأمنيّة . و تأتي الأزمة الاقتصاديّة العالميّة لتختتم هذه السّنة ضاربة في العمق . بينما كنت منهمكة على لوحة المفاتيح أخطّ هذه السّطور انبعث نور الشّمس من نافذتي متخلّلاً ستارها المِخْمَلِيّ ، رفعتُ بصري أتتبَّعُ لونَه الدّافئ فإذا بي ألمَحُ خيَالَ عصفور يحُطُّ و سرعان ما يطير ، شمسُ ديسمبر السّقيمة المتكاسلة تخترق السّحُبَ و الغيُوم الدّاكنة و تشرق أحيانا لتذكّرنا أنّ الجمال و الحنان هنا رغم مدينة الإسفلت التي تكتنفنا و تضيِّق الخناق
.
في مثل هذا اليوم غادرني والدي، كان يوما بدون شمس منذ ما يزيد عن ثلاث عشرة سنة و الذّكرى حيّة حارقة . كان شديد الاحتفال بنهاية السّنة يغدق علينا الحلويّات و الهدايا ، حتّى السّجائر لا ينساها ، لكلٍّ منّا نوعه المُفضَّل رغم أنّه لم يَرَ أيًّا مِنَّا يُدَخّن . في تلك السّنة لم يَشتَر شيئا ، عرفنا فيما بعد أنّه اقتنَى كلّ لوازم كفنه و دفعَ به إلى صديق قديم له ليُحضِرَه في الوقت المُنَاسب . لم يكن مجرّد أب ، كان صديقا ثمّ صار إبنًا . نعم هي عقدة إلكترا لا أنكر . كان يُناديني أمَّه حتّى في حياة جدّتي و كانت تغضب ، أظنّها كانت تغضَب . لكنّه يُصرّ على مناداتي بأمّه و كنتُ أشعُرُ أنّه وَلَدِي و كم استهواني الدَّور. لطالما أوصَيْتُ به والدتي قبل خروجي للعمل خاصّة في سنوات المرض الأخيرة ، لطالما عُدتُ إليه بمُقتَنَيَاتٍ تُدخلُ عليه البهجة لكنّه رحل و خلّف الصَّقيع . آآآآآه يا آخرَ الرِّجال يا كُلّ الرّجال . سَكتَ الرٍّجال ، غَابَ الرّجال و لم يَبقَ إلاّ الذّكُور
.
غير أنّي حَظِيتُ هذه السّنة بالجديد لأنَّ الحياة أبْقَى من كلّ شيء و حتّى لا تبدُوَ صورَتي مغرقة في القتامة ، يمكنني أن ألقِّبَهَا بسنة الصّدَاقات ، سنة الانفتاح و التّواصل و كسر جدار العزلة و الصّمت ، سنة التعبير و المصالحة على ذاتي مع كلّ مقال يُنشَر ، حُضورٌ أدبيٌّ حَقَّقَ لي الكثير و أصدقاء أسعدني التّعامل معهم و لو افتراضيًّا وجدتُ فيهم خير رفيق في لياليّ حين يسكت حولي كلّ شيء و لا يبقى سوى شاشة حاسوبي و لوحة مفاتيحه . سنة خَفَـقَ فيها القلبُ من جديد و انفَلتَ من عِقَال سُبَاته الجليديّ ، فلوَّنَ الدّنيا بالورد و الأغاني الجميلة . سنة كاملة انقضت بأحزانها المتتالية و دموعها القليلة و لقاءاتها الشيّقة و بكلّ أحداثها . فماذا تخفي لنا السّنة الجديدة ؟ أعتقد أنّ الإنسان أقوى من كلّ شيء تستخفّه رَقصَة الحَيَاة و يُعجِبُهُ طيبُهَا على رأي أبي العتاهية . هذه بعض خواطر أرّقتني ، غالبتها فلم أقوَ على كتمانها ، الآن و قد طَفَتْ على السَّطح أشعر بالارتياح . أتمنّى لكلّ الأصدقاء سنة مليئة بالنّجاح و السّعادة و الصحّة و تحقيق الآمال و لو البعض منها و كلّ عام و أنتم بألف خير .

13 commentaires:

ferrrrr a dit…

اليوم الصباح اتذكرتو، و نشرب على ذكراه احسن بيرة، خلّف النبات يعني ما مات

Anonyme a dit…

حتّى متى تقترن النهايات بإحصاء الجراح...؟ هو الوفاء لا ريب ولكنّ القلب الذي عشق أناسا كانوا رائعين سينظر إلى المستقبل بقلب يخفق بالأمل أليس كذلك ولاّدة..؟ كلّ عام وأنت بخير

WALLADA a dit…

باخوس

ألا ترى أنّ السّنة لم تنته بعد و ها نحن نحصي الشهداء و الجرحى في غزّة ؟

شكرا على المرور و التهنئة

ART.ticuler a dit…

@wallada et ferrrr
و في مثل هذا الشهر منذ ثلاثين عاما تركنا الوالد ..ترك لي عطره وحب الحياة..ترى لو التقيا هناك من سيشتم عن الآخر رائحة صداقة الأبناء؟
لكن يا ولادة هاته السنة لم تنقض بعد وغزة لا تزال تنزف..وحال البلاد كحالها بالامس ..والجهل يسري ويمتد
.أكاد أجزم أن الأرقام اختلت وفسدت ...فلم تعد تتغير الأحوال من رقم إلى رقم بل أن كل حقبة تأتي حبلى بنقيضها..
اتمنى أن تكونا وأن أكون معكما نقيض هذه الحقبة الجافة

romdhane a dit…

رائعة أنت في فرحك وفي ألمك في حاضرك وفي ماضيك ستكونين أروع
شكرا على ما تكتبين

ferrrrr a dit…

انت دائما انسان يا آرت، يعجبني انك صفر في "الحسابات" و متمكن من البقية، تنطق بما في خاطرك... سنة جديدة طيبة

WALLADA a dit…

رمضان

شكرا يا صديقي من القلب


آرت

هل تصدّقني حين أقول لك إنّي ندمت على نشر هذه التدوينة ؟
بمجرّد ما نشرتها اندلعت الأخبار و الصّور عن غزّة ، أشعر أنّي خنت الشّهداء و الأطفال و أرض البرتقال ، أمامي شاشة التلفاز تبثّ صور أطفال المدارس يبكون و الجثث ملقاة بعضها بدون رؤوس أشعر بالغثيان كلّ هذا و العرب مازالوا يندّدون و المعابر مغلقة حتّى على المساعدات الطبيّة
ليتني ما رأيت ، ليتني ما نشرت كلمة ، ليتني ما كنت

ART.ticuler a dit…

ليس ذنبك يا ولادة إن يتزامن ما كتبتيه مع ما يحدث في غزة بل ذنب من لم يفتح المعابر إلا لاستقبال الموتى، ذنب الأصوات الصامتة في الذل،ذنب من لا يفرق بين عدوه وبين من يقتسم معه الأرض والتاريخ

ولد بيرسا a dit…

كلّ عام و انت حيّة بخير يا ولاّدة
و الله يرحم الوالد
صحيح تقعد شويّة وجيعة في القلب، أما الذّكريات الباهية هي الّي تخلّينا نقدّمو و نبنيو عليها السّنوات الجايّة

امّالا أنا نقلّك هذا عام تزاد، موش نقص
و ان شاء الله عام فرحة و نجاح
:-)
و قبلة على جبينك من ولد بيرسا إلى أحلى ولاّدة في العالم

WALLADA a dit…

ولد بيرسا

شكرا على الكلمات الرّقيقة و كلّ عام و أنت بألف خير يا ألطف ولد بيرسا فس تونس

subjectif a dit…

كل سنة و انت بخير يا ولادة.استمتعت كثيرا بقراءة ما تكتبين هذه السنة

WALLADA a dit…

سبجيكتيف

شكرا لك يا صديقي

من بلد القيظ a dit…

تحيّاتي ولاّدة ،دمت أبدا ثائرة ،هكذا تمضي السّنون تاركة جراحا وآلاما ودموع ،ولنا في غزّة مثال .
سعدت يصداقتك عبر العالم الإفتراضي