لم يصلنا من الشّعر القَصَصِي خصوصا القَصَصِ الخَمْرِي المنظوم إلاّ نَزرٌ يَسِيرٌ في بعض أشعار الأعْشَى و بن أبي ربيعة . و لمّا جاء أبو نواس في العصر العبّاسي الأوّل تفنَّنَ في هذا اللّون القصَصِيّ فنَظَمَ القصائد ليَرْوِي مغامراته مع الرّفاق و هم يَرْتادُون الخمَّارَة .
كلّ المقوّمَات الفنيَّة للقصّة حاضرة في قصائده ، فالسّرد متوفّر بأركانه الخمسة: زمان و مكان و شخصيّات و رَاوٍ و حَدَث ، و بـبِنْيَتهِ الثلاثيّة : وضعُ انطلاق و سِيَاقُ تحَوُّلٍ و وَضْعُ خِتَامٍ
و السَّرْدُ مُلغَمٌ بالوَصْفِ بأدَقِّ تقنياته : تصويرٌ للإطار العامّ و جَوّ مجلس الأنس و وصف للشخصيّات الرِّفاقُ و الخمَّارُ و القَيْنَة و الغُلامُ مع اسْتِـبْطَانٍ رائعٍ للنّفسِيَّات
كلّ هذا مع استخدام المماطلة و المفاجأة و التشويق و العُقدَة و الحِوَار و التضْمِين بأبيات من قصائد أخرى و اعتماد أساليب التشبيه و التشخيص و قدرة مَهُولة على مقابلة عالم المَادَّة بعَالم الرُّوح
لن أطيل أكثر في التحليل و أقدّم قصيدة لعلّها من أهمّ ما قيل من الشّعر القَصَصِي
رِحْــــلَـة إلَـى خَـمَّــار
دَعِ الرَّبْعَ ما للرَّبْعِ فيكَ نَصِيبُ و ما إنْ سَبَتْنِي زينبٌ و كَعُوبُ
و لكنْ سَبَتْنِي البَابِليَّةُ إنَّهَا لِمِثلِيَ في طول الزَّمان سَلوبُ
جَفَا المَاءُ عنها في المِزَاجِ لأنَّها خَيَالٌ لها بينَ العظامِ دَبيبُ
إذا ذاقَهَا مَنْ ذاقَهَا حَلَّقَتْ بهِ فليْسَ لهُ عَقلٌ يُعَدُّ أديبُ
و ليْلة دَجْنٍ قد سَرَيْتُ بفِتيَةٍ تُنازعُهَا نحوَ المُدَامِ قُلوبُ
إلى بَيْتِ خَمَّارٍ و دُونَ مَحَلّهِ قصُورٌ مُنيفَاتٌ لنا و دُرُوبُ
فَفُزِّعَ من إدْلاجِنا بعد هَجْعَةٍ و ليسَ سِوَى ذي الكبْرِيَاءِ رَقيبُ
تَنَاوَمَ خوْفًا أنْ تكونَ سِعَايَة و عَاوَدَهُ بعدَ الرُّقَادِ وَجِيبُ
و لمَّا دَعَوْنَا باسْمِهِ طَارَ ذُعْرُهُ و أيْقَنَ أنَّ الرَّحْلَ منهُ خَصِيبُ
و بَادَرَ نحو البابِ سَعْيًا مُلبِّيًا لهُ طَرَبٌ بالزَّائِرينَ عَجيبُ
فأطْلقَ عَنْ نابَيْهِ و انكَبَّ سَاجِدًا لنا و هو فيما قد يَظنُّ مُصِيبُ
و قال:"ادْخُلوا حُيِّيتُمُ مِنْ عِصَابَة فمَنزلُكُمْ سَهْلٌ لدَيَّ رَحِيبُ
و جَاءَ بِمِصْبَاحٍ له فأنارَهُ و كلُّ الذي يُبْغَى لديه قَريبُ
فقُلنَا:"أرِحْنَا هَاتِ إنْ كنتَ بَائعًا فإنَّ الدُّجَى عن مُلكِهِ سَيَغيبُ
فأبْدَى لنا صَهْبَاءَ تَمَّ شَبَابُهَا لها مَرَحٌ في كأسِهَا و وُثُوبُ
فلمَّا جَلاهَا للنَّدَامَى بَدَالهَا نَسِيمُ عَبيرٍ سَاطِعٍ و لَهِيبُ
و جَاءَ بهَا تَحْدُو بها ذاتُ مزهَرٍ يَتُوقُ إليها النَّاظرُونَ رَبِيبُ
كَثيبٌ عَلاهُ غصْنُ بَانٍ إذا مَشَى تكادُ لهُ صُمُّ الجِبَالِ تُنِيبُ
يَشُمُّ النَّدَامَى الوَرْدَ من وَجَناتِهِ فليْسَ بهِ غير المَلاحَة طِيبُ
فمازال يَسْقينَا بكأسٍ مُجِدَّةٍ تُوَلِّي و أخرى بعد ذاكَ تَؤوبُ
و غنَّى لنا صَوْتًا بلحْنٍ مُرَجَّعٍ " سَرَى البَرْقُ غَرْبِيًّا فَحَنَّ غَريبُ
فَمَنْ كانَ مِنَّا عَاشِقًا فَاضَ دَمْعُهُ و عَاوَدَهُ بَعد السُّرُورِ نَحِيبُ
و ما بَيْنَ مَسْرُورٍ و بَاكٍ من الهَوَى تَجَلَّى مِنْ ثَوْبِ الظَّلامِ غُيُوبُ
5 commentaires:
موضوع مهم ولادة... جات فترة إهتمت بالشعر القصصي أو السردي
epic potery
لكن في شكل الأراجوزة و في فترة متأخرة على أبو نواس..
خاصة العلاقة بين بعض الشعراء الأندلسيين و شعراء اسبان و فرنسيس من القرن 12... تأثير الشعراء الأندلسيين كان لافت... هاو مقال من بين المقالات إلي نتذكرهم
James T. Monroe. "The Historical Arjūza of ibn ʿAbd Rabbihi, a Tenth-Century Hispano-Arabic Epic Poem," Journal of the American Oriental Society, Vol. 91, No. 1 (Jan. - Mar., 1971), pp. 67-95
توا هذا موش شأن عام ...بربى كيفاش الشان العام امالا
أبو العربي
شكرا على المرور
طارق
هو في الحقيقة الشعر القصصي حاضر حتّى في الأدب الجاهلي ، فالقصيدة في الشعر الجاهلي تصوّر أحداث المعركة و ما آلت إليه حتّى العودة بالنّصر إلى مضارب القبيلة ( معلّقة عنترة مثلا
المشكلة ساعة ساعة يقوم واحد فرّادي ويقوللنا هانى باش نطبع ديوان شعر جديد..من شعراء الملحق اليومى متاع الجرائد...الواحد يضرب راسو على ساس يفرشخو ...على كل شكرا ولاّدة
هاك رجعت للتدوين ومن الباب إلي ينفع زادا :-)...لازم خفت لا ندخل في إضراب مفتوح عن التدوين ؟ههههه
Enregistrer un commentaire