إذا كنّا نجد اليوم في لساننا العربيّ كتابات متتالية في السّرد و الوصف و الشّعر فليس الأمر كذلك فيما يتّصل بالحِجاج و أرتكِزُ أساسا على الأطروحات التي قدّمها جون ميشال آدم في أحد أعماله Elements de linguistique textuelle. liège 1990
و سأحاول إثارة بعض القضايا لمُقَـارَبَةِ نصٍّ حِجَاجِيٍّ قديمٍ هو نصّ النَّـادِرَة.
و تتركّب النّادرَة من حيث هي مُنْجَزٌ قوليٌّ مِنْ : خِطَابٍ و نصٍّ و جِنْس . فأمّا الخِطابُ فهو الكلامُ المُـنْجَزُ في ظرفيّة بعينها من ظروف التّواصل و هو البِنْيَة الدّلاليّة الكُبْرى ، و أمّا النصُّ فهو الألفاظ المنتظِمة في بِنْـيَة نحْوِيّة مخْصُوصَة مُتَّـسِمَة بالانسجام و الاتِّـسَاقِ ، و أمّا الجِنْسُ فهو جُملة الشروط و القواعد التي بها يمكن أن ننْـسِبَ صِنْفا من الأقوال إلى نموذجٍ أدبيٍّ معيَّنٍ . و لمّا كانت النّادِرَة في أصْلِ وضعِها كلامًا للتَّـنَدُّرِ و التّـفَكُّـهِ فقد وجب النّظرُ في وظائف اللّغة المُنْتِـجَة لهذا الخِطابِ السّاخِرِ الهازِلِ .
للغـة في البداية ثلاث وظائف : الوظيفة التعبيريّة و الوظيفة الإنشائيّة و الوظيفة التعيينيّة ، و أضافَ جاكبسون ثلاثَ وظائف أخرى هي الشعريّة و التأثيريّة و الميتالُغَويّة . ثمّ جاءَ جون ميشال آدم فأضافَ وظيفة البَـرْهَنَـة مُشيرًا غلى أنّنا عندما نتكلّم في أيِّ حالٍ من الأحوال فإنّنا نسعَى إلى إقنَاعِ المُخَـاطَبِ . و عليه فإنّ الحِجَاجَ خِطَابٌ إقْنَـاعِيٌّ هدفه التّأثيرُ في المُتَلقِّـي إمّا لدَعْمِ موقفه ، و إمّا لتغيير رأيه و تبنِّي موقفٍ جديدٍ مُعَلّلٍ . و من ثمّة نرى أنّ الحِجَاجَ لا يتعلّق بالشّكل اللّغويّ أو بمُحتوَى الخِطابِ و لكن بوظيفته الكُليَّـة لذلك يمكن أنْ نجِدَ الحِجَاجَ ماثِلاً في السّرْد أو الوصف أو الشّعر" كشعر الحِكْمَة و الحَمَاسَة و الفَخْرو الهِجَاء" و لكن كيف يمكن التمييز بين حِجَاج الإقناع و حِجَاجِ المُغالطَة ؟ و المسألة مطروحة منذ حِجَاج أفلاطون و السّفسطائيين . لقد وضع " قرَايْس" أربعة أحكامٍ للمُحَاورَة الحِجاجيّة و هي حُكْمُ الإحَاطَة و حُكم الصِّدْق و حُكمُ الوُضوح و حُكمُ السَّـدَاد و اعتمدها مقياسًا لتمييز الحجاج السّليم من الحجاج المُغالِط . و رغم ذلك فإنّ كلّ هذه المقاييس مُجتَمعَة أو منْفَرِدة لا تُلغِي سِـمَة هامّة من سِمَاتِ الحجاج و هي الذَّاتِيّة أو مجال " شِبْـه الحَقيقِـي" Le vrai-semblable" لذلك يقعُ الحِجَاجُ غالبًا في منطقة وُسْطَى بين الحقيقة و الزَّيْـفِ .
المقال القادم حول : المُنَاولات الحِجَاجيّة
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire