mardi 8 juillet 2008

الشعر ثورة أو لا يكون...بدر شاكر السيّاب نموذجًا

كان شعر بدر شاكر السيّاب نقطة تحوّل أساسيّة في الشعر العربي الحديث ، إذ اكتشف بحِسِّه المرهف و بما اكتسبه من ثقافة نقديّة و شعريّة من قراءته للأدب الانكليزي أنَّ مرحلة الرّومنطيقيّة قد انتهت و آنَ الأوان لقفزَةٍ كبيرة في تطوير الشعر العربي ، فكانت الثورة الشعريّة الحديثة ، و كان التحوّل النوعي الذي طرأ على القصيدة العربيّة المعاصرة...فقد كانت القصيدة العربيّة بحاجة إلى البحث عن هوِيَّتها، و إلى تحديد شخصيَّتها. فليست الحداثة تكرارًا لما أبدعَه السَّلف، و ليست نقلاً للتجارب الغربِيَّة ، لكنَّها في الوقت نفسه لا يمكن أنْ تكونَ انقطاعًا عن التراث الشعريِّ القديم، كما لا يمكن أنْ تتغَافلَ عن التجارب الشعريَّة الحديثة لدَى الأممِ الأخرى . لذلك كان على الشّاعر المُجَدِّد أنْ يَعِيَ تراثه ليرتكزَ على العناصر الحيَّة فيه ، و أنْ يتثقـَّفَ بالثقافة الغربِيَّة الحديثة لِيُفِيدَ منها دونَ أنْ يَنقل نماذِجَها، و كان عليه أنْ يَعِيَ حاضِرَ أمَّتِهِ حتـَّى يُعبِّرَ عن قضاياها و يُعِيدَ بِحَدْسِه الخاص صِيَاغـَة الواقع من جديد . و هذا ما استطاعه رُوَّادُ الشعر العربي الحديث(نازك الملائكة-فدوي طوقان-عبد الوهّاب البيّاتي-أدونيس-محمود درويش-نزار قبّاني...) . و كان بدر شاكر السيَّاب أوَّلهم . لم يكن التحوّل الشعريُّ مُجَرَّدَ تحوُّلٍ شكلِيٍّ في بِنَاءِ القصيدة و ليس مسألة تحَرُّرٍ من قيود القافية و وِحْدَة البيت و قد عبّرَ السيَّابُ عن مدلول الحداثة في الشعر بقوله " إنَّ الشعرَ الحُرَّ أكثرُ من اختلاف عدد التفعيلات المتشابِهة بين بيْتٍ و آخَرَ، إنّه بِنَاءٌ فنِيٌّ جديدٌ و اتـِّجَاهٌ واقعِيٌّ جديد، جاء لِيَسْحَقَ المُيُوعَة الرُّومَنطيقيَّة و أدَبَ الأبْرَاجِ العاجِيَّة ، و جُمُودَ الكلاسِيكِيَّة ، كما جاء لِيَسْحَقَ الشِّعْر الخَطَابِي الذي اعتادَ السِّياسِيُّون و الاجتماعِيُّون
الكتابَة بهِ ". فالقصيدة الحديثة-حسب تعريفه- ثورة على الكلاسيكيّة في القوانين الصّارِمة التي تفرِضها على عمليّة الإبداع الأدبيِّ ، كما أنّها ثورَة على الرُّومنطيقيّة في انسِيَاقِها العاطِفِي و انشِغَالِها بالهُمُومِ الفَرْدِيَّة . هِيَ مَغرُوسَة في القضَايَا القَوْمِيَّة ، و الإنسانِيَّة، مُلتَزِمَة بها ، لا مُنْزَوِيَة في أبْرَاجٍ عاجِيَّة يَهرَبُ إليها الشَّاعِرُ هائمًا في عالَمٍ خاصٍّ بهِ ، و معَ ذلكَ فالقصيدة الحديثة ليست خـُطْبَة سياسيَّة لأنَّها تعَبِّرُ عن ذاتِها بالصُّورَة و الرَّمز لا بالعِبَارَة التـَّقرِيرِيَّــــة

Aucun commentaire: