كانوا يسمُّونني " شاعر المرأة" و في الماضي كان اللّقب يُسلـِّيني، ثم أصبح لا يَعْنِينِي، و في الفترة الأخيرة أصبح يُؤذِيني . تحوَّل من نِعمَة إلى تهمَة، و من وردة إلى رُمْحٍ مزروعٍ في خاصِرَتي . حين قال عنِّي النّاقد الكبير مارون عبُّود: إنَّني عمر بن أبي ربيعة هذا العصر، شعرتُ بنَفضَة كبرياء.. و مع تقادم السّنين و وفرَة التّجارب ، ذهبَتْ الارتعاشة و انحَسَر الغرُور ، و لم يعُدْ يهزُّني أن أكونَ واحِدًا من حاشِيَة عمر بن أبي ربيعة .. أو سِوَاه إنّني لا أنكِرُ وفرَة ما كتبتُ من شعر الحبّ ، و لا أنكِرُ همومي النِّسائيَّة و لكنّها ليستْ كلّ همُومِي لقد كانت لي حياة مليئة كما تكونُ حياة أكثر الرِّجال الطّبيعيّين الأسْوِيَاء،عرَفتُ نساءً كثيرات ، انتصَرتُ و انهَزَمْت ، و أحْرَقتُ واحتَرَقت ، و قَتَلت و قـُتِلت... و إذا كانت روائح حبِّي تفوحُ بشكْلٍ أقوَى من بقيَّة العُشَّاق فلأنَّني رَجُلٌ يَمْتَهِنُ الكتابَة ، و يضعُ حياتَه بكلِّ تفاصيلها على الوَرَق... هذه هي مأساة الفنّان ، إنّه لا يستطيع أن يتصرَّف في الحياة بشكل و على الورق بشكل آخر . و أوَدُّ أن أعْتَرِف أنَّ شعري قدَّمَني للنّاس تقديمًا خَطِرًا و صَبَغَ سُمْعَتي بالأحْمَرِ الفَاقِع و ساعَدَ على ترسيخِ صورَتي " الشَّهْرَيَارِيَّة " في رؤوسهم، إنَّ النَّاس في بلادِنا لا يفصِلون الكتابة عن الكاتِب . فالتَّجْرِيدُ و التّأمُّل الذِّهني أشياء لا نتعامَلُ معها في هذه المنطقة من العالم. لقد كان الالتِحام مع مجتمعٍ يَضَعُ الحُـبَّ في قائمة المُحَرَّمَات و المَمْنوعات أمْرًا حتمِيًّا ، و الذي زادَ مِن ضَرَاوَة الالتِحَام أنِّي ظهرتُ على الورق بوجهي الطَّبيعي ، و لم ألـْجَأ غلى الأصْبَاغِ و المَسَاحِيق ... إنَّ شعَرَاءَ الغَزَل في أوروبا و كُتَّابَ الرِّوايات و المسرحيَّات لا يَخـُوضون حَربًا صَليبِيَّة مع مجتمعهم كما يخوضُها الكـُتَّابُ العرب . لأنَّ نظرَة مجتمعاتِهم للحُبِّ أخذت حجْمَهَا الطَّبيعي و لم تعُدْ وَرَمًا سَرَطانِيًّا كما هو الحالُ عندنا . إنَّ شاعِرَ الحُبِّ في بلادِنا يُقاتِلُ فوق أرْضٍ وَعْرَة ، و في مَنَاخٍ عِدَائيٍّ رَدِيءٍ جدًّا و يُغنِّي في غابَةٍ تسْكـُنُها الأشبَاح
نزار قبّاني
قصّتي مع الشّعر
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire