رأيتُ في منامي حلمًا . بدَا لي كلُّ شيء مضيءٍ مُظلِمًا و كلُّ مظلِمٍ مُضِيئًا ، كما في النّسخة السّلبيَّة للصُّورة تمامًا . اقترب منِّي المرحوم والِدِي و ناوَلنِي إبْرِيقا و هو يقول لي : - خـُذْ يا بُنَيّ ، إنَّه ماءُ الحياة . هتفتُ دون أنْ ألقِي عليه السَّلام " ماءُ الحَيَاة ؟" و خطفت الإبريق من يديه و أفرَغتُ محتواه في جوفي دُفعَة واحدة . و اخترَقتْ دماغي فكرة : لقد شرِبْتُ ماء الحياة ، فصِرتُ الآنَ خَالِدًا . و بطريقة آليَّة صِحْتُ بكلّ ما فيَّ من قوَّة : أنظرُوا أيُّها النَّاس إليَّ . لم يعرِف كوْكَبُنا الأشـْيَب مرَّة واحدة تلك الفرحة التي تمتلك إنسانًا ذاقَ ماءَ الحياة ، ما أجملَ أنْ تستيْقِظَ و ترَى أنَّكَ لمْ تَمُتْ فـفِكرَة الفنَاء تبعث في القلب القشعريرة . أمَّا الآن فما أعذبَ أنْ ترَى نفسَكَ و قد صِرْتَ عَصِيًّا على الفناء ، و تذكَّرتُ فجأة زوجتي و أطفالي . ألقَيْتُ نظرة على الإبريق لكنّه كان فارغًا ، ما العمل ؟ ستقول زوجتي أنَّني لم أفكِّرْ فيها و سيبكي الأطفال و سيهجرونني جميعا من غيظِهم ، و يتركُونِي وحيدًا . انْتَحَبْتُ و لطَمْت ، و ضرَبْتُ على رأسي ، فما كان مِن والدي إلاَّ أنْ قدَّمَ لي إبْرِيقًا آخَرَ من ماءِ الحياة قائلاً : أذكُرْ يا بُنَيّ أنَّ ماء الحياة ليس ماء عادِيًّا ، و لم يَعُدْ عندي منه قطرة واحدة، حاول أنْ تنعِمَ به على أكبر عددٍ ممكنٍ من النَّاس . فكّرتُ أوَّلَ الأمر أنّه ينبغي أن أعطِي زوجتي و أطفالي و اقارِبِي و لكنّ رئِيسِي في العمل تسَلَّلَ في ذهني دون استئذان مُتَجَاوِزًا دَوْرَه ، فقرَّرْتُ أن أهُبَّ إليه و إبريقي في يدي . و لكن ما العمل مع صديقي ؟ و أخيرًا قرَّرْتُ أن أعطيَهم كلّهم قطرة قطرة من ماء الحياة . ثمَّ اتخذتُ قراري بحَجْبِ الماء عن رئيس المُحَاسبين الذي اقتطع منِّي أجر ثلاثة أيَّام لتغيُّبي عن العمل و هو يقول" القانون هو القانون" كما شطبْتُ إسم جارِي لِسَلاطَة لِسانِه . فجأة حذَّرَنِي والدي قائلاً : إذا قلتَ لشخْصٍ مَا إنَّكَ أعْطيْتَه ماء الحياة فإنَّ هذا الماء يفقِدُ صِفَتَه السِحْرِيَّة ، و يتحوَّل إلى ماء عادي . قَدِّمْ المُسَاعَدَة من كلِّ قلبِك لا طَلبًا لِشهْرَة أو مَجْد . قدَّمَ لي والدِي هذه النَّصيحَة و غَاب .و بَقِيتُ وحِيدًا مع إبْريقي المَمْلوء بماء الحياة . و أخذت الأفكارُ المختلفة ترَاوِدُني . هل هناك شيء أفضل من إنقاذ إنسان من الموت ؟ ألن يَنْصبُوا تمثالاً لِمَن سيجِدُ طريقة للشفاء من السَّرَطان ؟ فأيُّ تمثالٍ سيكون من نصيب من يهبُ الآخرين الخلود ؟ لكن مهلاً ماذا أوصاني والِدِي ؟ إنْ قلت لشخصٍ إنِّي أعطَيْتُه ماء الحياة انقلب الماء عادِيًّا . هكذا لن يعرف أنّه أصبحَ خالِدًا بِفضْلِي ، يا لأسَفِي ، ماذا فعَلتَ بي يا أبي ؟ ما الحلّ ؟ إذا أعطيْتُ رئيسي ماء الحياة و لم يعرِفْ أنَّني أنا الذي جعلتُه خالِدًا فإنَّه سيَسْتَمِرُّ في مُضَايَقتِي كعادته . و كذلك زوجتي ، لن أعطي لأحد .أنا الذي شربْتُ ماء الحياة ، أنا وحدي الخالِد ، وحدِي الخَالِد ، و الآخرُون هاهاها...لكن مهلاً إنْ ماتُوا فلن يعرِفوا أنِّي صِرْتُ من الخالِدِين ، و بالتالي لن يحْسِدَنِي أحد ، و ما قيمة أن تَكونَ خالِدًا إذا لم تتَمَكَّنْ من الاسْتِمْتَاع برُؤيَة هؤلاءِ الأشخَاصِ يموتون حَسَدًا ؟ و أخيرًا أدْرَكتُ أنَّني لن أستطيع الاستمرار في الحياة إنْ لم أخْبِرْ أحَدًا بِخلودِي ، و لهذا قرَّرْتُ كتابة القِصَّة ، و بعد أن فرَغتُ من كتابَتِها ، و وضَعْتُ اسمي بأحرُفٍ كبيرة تحتها ، سَكبْتُ عليها ماءَ الحياة الذي قرَّرْتُ ألاَّ أعْطِيهِ لأحَد ، و بِسَبَبِ الماء ضَاعَ كلُّ ما كتَبْتُه و اختَلطَ ، كما أخذَ ماءُ الحياة الذي شرِبْتُه يفعَلُ فِعله فِيَّ ، فصَرَخْتُ ، عندها أفَقتُ من حلمي
قصّة الكاتب المنغولي تس دورجفوتوف
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire