قال شبيب بن شبَّة : إنَّا لـَوُقوفٌ في عرصَة المِرْبَد إذ طلعَ علينا ابنُ المُقفـَّعْ فقالَ :" ما يَقِفـُكُم على مُتـُونِ دوابِّكم في هذا الموْضِعِ ؟ هل لكم في دار ابنِ بُرْثـُنٍ في ظِلٍّ مَمْدُودٍ، فهو أدَرُّ للحديثِ " . فسَارَعْنا إلى ذلك ثمَّ أقبَل ابنُ المُقفـَّع فقالَ : " أيُّ الأمَمِ أعْقـَلُ ؟" فظنَنَّا أنَّه يُريدُ الفـُرْس فقلنا : فَارِسُ أعقلُ الأممِ ، نقصِدُ مُقارَبَته و نتوَخـَّى مُصَانَعتَه، فقالَ : كلاَّ ، ليسَ ذلك لها و لا فيها ، هم قومٌ عُلـِّمُوا فتعَلـَّمُوا ، ليس لهم استِنْبَاطٌ و لا استِخرَاجٌ . فقلنا له الرُّومُ . فقال : ليس ذلك فيها ، بل لهم أبْدَانٌ وَثيقة و هم أصحابُ بِناءٍ و هندسةٍ لا يُحسِنُونَ سِواهُما . قلنا : فالصِّينُ . قال : أصحابُ أثاثٍ و صَنعَةٍ ، لا فِكْرَ و لا رَوِيَّة . قلنا: فالتـُّرْكُ . قالَ: سِبَاعٌ للهِرَاشِ . قلنا : فالهِندُ . قالَ : أصحابُ وَهْمٍ و مَخرَقَةٍ و شعْبَذةٍ . فرَدَدْنا الأمْرَ إليهِ
قالَ : إنَّ العَرَبَ ليسَ لها أوَّلٌ تؤمُّه، و لا كِتابٌ يَدُلـُّها، أهل بَلدٍ قـَفـْرٍ و وِحْشةٍ من الأنْسِ، احتاجَ كل واحدٍ منهم في وِحْدَته إلى فِكرِهِ و نَظَرِه و عَقلِه. و عَلِمُوا أنَّ مَعَاشَهم من نباتِ الأرض فوَسَمُوا كل شيء بِسِمَتِه ، ثمَّ نظروا إلى الزَّمان و اختِلافِه فجعلوهُ ربِيعيًّا و صيفيًّا و قيْضِيًّا و شِتوِيًّا ، و احتاجوا إلى الانتشار في الأرض ، فجعلوا نجوم السَّماء أدلـَّة على أطراف الصَّحراء و الأقطار المجاورة فسَلكـُوا بها البلاد ، و أطْلقوا الأسماء على أيَّام الأسبوع ( أوَّلْ بَدَلَ الأحَدْ ، عُرُوبَة بَدَلَ الجُمُعَة) و جعلوا بينهم شيئًا يُرغِّبُهم في الجَمِيلِ و يَتَجَنـَّوْنَ به على الدَّناءَة ، حتـَّى إنَّ الرَّجلَ منهم و هو في فَجٍّ من الأرض يَصِفُ المَكارِمًَ فما يُبْقِي من نعْتِها شيئًا . ليس لهم كلامٌ إلاَّ و هُم يُحَاضُّون به على اصطِناعِ المعروف و حِفظِ الجَار و بذل المال و ابْتِنَاءِ المَحَامِد ، يقولُ عنتَرَة
و أغـُضُّ طَرْفِي حِينَ ألـْمَحُ جَارَتِي --- حتـَّى يُوَارِي جَارَتِي مَأوَاهَا
كلُّ واحِدٍ منهم يُصِيبُ ذلك بعقله ، و يستخرجه بفِطنتِه و فِكرَتِه فلا يتعلـَّمون و لا يَتَأدَّبُون بل نَحَائِزُ مُؤدَّبَة و عُقـُولٌ عَارِفـَة و بِنْيَة مُعْتدِلـَة
أبو حيَّان التوحيدي
الإمتاع و المؤانسة
2 commentaires:
الى جانب ذلك كان العرب قبل الاسلام أهل فسق و مجون فهم يضربون رؤوس بعضهم بغير حق و يأكل كبيرهم صغيرهم ويستعبدون الناس و قد ولدتهم امهاتهم احرار غارقون الى حد النخاع في العصبية القبلية يحتقرون المرأة ويزدرونها فان رزق احدهم بفتاة يلطم وجهه ويدفنها وهيا حية
يرون ان المرأة لا تصلح الى للفراش و البيع كسلعة في سوق الجواري
الى اخره من الافعال الماجنة واللاأخلاقية
يا تيتوف
لماذا تنظر لجميع المسائل من منظور أخلاقوي صرف؟ ألا تعلم أن الايروتيكا صنعت ثقافات وبنت حضارات؟ انظر لليونانيين والصينيين والآشوريين والعرب أيام مجدهم لترى بأم عينيك أنه كلما كانت حدود المحظورات محدودة، كلما كان الرصيد المعرفي والعلمي لشعب ما لا حدود له.
Enregistrer un commentaire